١٨‏/٠٤‏/٢٠١٠

غروب يوم مطير





لا أذكر تحديدا حينما التقطت الصورة
و لكن أذكر جيدا الرائحة.

صــــوت

ذلك الصوت الضعيف.. بدأَبِه أستشعره عاليا، فلا يذهب و لا يعود، فقط يستمر في طنينه.
أنا أذهب ، ناظرا خلفي بتباطؤ، تملؤني رغبة في لم شتات شيء ما أعرف أنني لم أعرفه كثيرا، و لكن يبقى الصوت في بقائه بلا هواده.
ذلك الصوت يطن مستمرا، في عجلات قطارٍ متجهاً نحو شمال قريب، أو هدير محرك نفاث أجلس على مقعد ضيق إلى يساره في سأم. أو بينما يقلب أحدهم كوبا من الشاي. فيستمر ولا يغادر.
قال لي أبي: ستسير يوما ببعض أسى بداخلك، و تعتاد هذا الشعور.
لم أقل له أنني أعرف ذلك جيدا. صمتت قليلا، و استمر الصوت.
حينما أعود، لا أجد الصوت يقترب أو يبتعد، فقط يستمر..
هل أتى صباح آخر؟
سأذهب لأتحقق...


٠٧‏/١١‏/٢٠٠٩

حياة

حدثت هذه الحياة من قبل..
شاهدت الجميع يهرعون لسفن مسرعة نحو بحار أخرى ، كانت البواخر تمخر عباب المحيط. و جلست أنظر و كأني لا أكترث.
كنت أكترث كثيرا الحقيقة. و لكني استمتعت بمشاهد المغادرة صامتا، متصورا أنني حكيم الآن، و متذكرا أشعارا و لوحات استشراقية منمنمة مؤكدا لنفسي أن هذا قد حدث قبل ذلك أيضا. و أنها لم تكن مصادفة أن اختُرعت الساعات دائرية، و اسطرلابات العرب الفائتين . فكم مرة شهدت الليل ينتصف، و كم مرة شاهدت السفن تبحر من مرافئها ذات ظهيرة باردة.

-

قالت : صه، استمع...
كان هناك صوت طائر متوحد تماما، يغني لحنا معقدا في رتابة جليلة. نظرت لأعلى لم اتبين سوى اشجار شاهقة، و حافة محيط هادئ إلى ميمنتي. نظرت فلم تكن بجواري. كانت تجد السير نحو شيء ما.
الآن .. صوت قدمَي على أوراق الخريف ، و صوت الطائر.. و لا شيء سوى ذلك.
أذكر جيدا أنني توقفت. شممت رائحة أشجار عتيقة لا أعرف لها اسما. و سمعت صوت طائري هذا برفق. و هي كانت تختفي في درب صغير بين الشجيرات من أمامي.
هنا كانت كل المدن و الأغاني و الكتب و الأفلام و الأصحاب و المسارح والعشيقات و المدارس و الصحف السيارة و المطارات و الحروب و المدونات و الخرائط القديمة تبدو أقل شأنا من ورقة يابسة من تلك التي أخطو عليها رويدا.
كانت كل السنوات الفائتة محض عبث ، و كانت أشجار الغابة هذه تبدوا و كأنها استنارت بذلك منذ ملايين السنين .
و بعكسنا نحن بني البشر، كانت قد قامت باختياراتها منذ بدء الحياة.
في تلك الغابات يحدث أحيانا أن تظهر بحيرات صغيرة جدا، شاءت حكمة الأرض أن يكون عمر هذه البحيرات قصير قصير، تبتلعها الأرض بعد فترة وجيزة، تستمر في التضاؤل يوما بعد يوم. إلي أن تصبح قطرة ماء في عمق الخضرة الكثيفة، ثم تتبخر.
شأن المحبين، تذوي البحيرات بقصصها و تنبت فوقها حيوات أخرى و زهور الليلك ، و تُنسى بين كثافة الأخضر الجديد. تتلاشى البحيرة، و يبقى أثر بهجة تركتها لآلاف الكائنات التي رامت حولها يوما، و للشرقأوسطي المضطرب الذي كنته، و الذي لمست قدماه آخر ما تبقى من ماء البحيرة يوما.
و صمت دقيقة ليستمع، و ربما يرى.


-

المطارات باردة بطبعها ، مكان جيد لكي يشعر المرء بالوحدة ، مكان جيد للتعارف، و للتوديع، و لنزوات عابرة ، و لكن الوحدة لا مفك منها في تلك المباني الضجيجية.
تدور لوحات الإقلاع، أشاهدها ممسكا بكوب شاي سيء في ورق مقوى.
-أ لم ترحل طائرة لندن فعلا؟ لا ... انها طائرة أخرى، لا بل هي طائرة أخرى للندن أخرى في كندا.
-أ لم تمر هذه الفتاة الخلاسية من أمامي و تسأل عن الانترنت؟ ربما هي هي نفسها. الزمن يدور هنا بشكل زنبركي محسوب. جميعنا هنا نتحرك بشكل زمبركي.
رحل عقلي عن المكان ، تذكرت كم هو بعيد هذا الطائر الآن فوق غابته.
ممسكا كوب شاي ورقي في يد، و في يدي الأخرى سترة رسمية أخاف عليها من التثني، و في جيبي الخلفي يبرز جواز سفر بداخله تتابع من التذاكر.
كم أنا مهرج في هذا المكان. فكرت.
شاهدت هندية جميلة تنظف أرضية المطار أمامي، و أفريقي رفيع يحمل بواقي المطاعم.
و سكتت.
كانوا ينادون على رحلتي ، رقم.. ثم اسم مدينة غريبة لم أزرها من قبل.
لم أسمع الانجليزية المتكسرة في الإذاعة الداخلية لبضع لحظات، ثم تذكرت انه حدث نداء ما، حملت سترتي، و جواز سفري و تركت صالة المطار .
فكرت .. يقولون أنك لا تعبر النهر أبدا مرتين، و لكنني اعبر كل مطار مرتين، اذهب لعملي مرتين، أدير محرك سيارتي مرتين، تُغِير الدولة على جارتها مرتين .. و الساعات دائرية كاسطرلابات العرب الفائتين، و الليل ينتصف في كل يوم مع اختلاف التوقيتات و المدن.
تحدث الأشياء مرتين ، و ثلاثا ، و ألفا.
و لكنني أعرف انني لن أضع قدمي على حافة البحيرة التي تحتضر مرتين .
و إن حدث ..
إن حدث ..
فهي مرة جديدة تماما بالنسبة لي الآن.




كان ذلك للفتاة التي قالت لي أن أسكت لأستمع ، فسمعت







١٦‏/٠٩‏/٢٠٠٩

حول المشاعر

أشياء عدة لا افهمها في مجتمعنا القاهري العريق ، أظن أن أهمها هي مسألة "إيذاء المشاعر" التي لا انفك أقرؤها في اماكن شتى مؤخرا.
لا أعرف معنى أن تسن قوانين بناءا على "مشاعر" ما ، فمثلا أعرف من خبرتي أن مشاعري تجاه فتاة مثلا تنقلب من النقيض للآخر خلال فترات وجيزة ، بل و أن مشاعري تجاه أشياء بعينها لا أعرف كيف أحددها أو اوصفها.
و فرضية أن هناك مشاعر عامة هي فرضية مضحكة جدا، و الانطلاق من أن مشاعر المشرع بالطبع ستتماشى مع مشاعر من سيطبق عليهم قانونه الجديد هو خطأ جلل في رأيي.
إن افترض احدهم أن الجهر بالافطار مؤذ للمشاعر بالنسبة للصائمين، فما قولهم فيمن يسعدون لذلك ايمانا منهم انهم يستحقون ثوابا اضافيا، مثلهم مثل انتحاريو البلح الدين يقفزون فوق السيارات عارضين البلح المجفف ساعة الأذان؟
الحقيقة، انني لا اناقش صحيح الدين أو غريبه، لكنها مسألة انسانية بحتة.
فانني اتأمل.
محلات اديداس تستفز مشاعر فريق الكرة مدرسة احمد تيمور الاعداية بنين لانهم لا يملكون ثمن احذية اللعب المغرية هناك.
و اعلان قناة القاهرة و الناس على الدائري يزعج مشاعر سكان الخصوص و المرج الجديدة ، لأن شوارعهم لم تصلها الاضاءة بعد.
و مكتبة الديوان تؤذي مشاعر الكثير من القراء، لانهم لا يستطيعون القراءة باللغات الاجنبية كما يفعل البعض.
و اضراب عمال القمامة في الجيزة يستثير مشاعر أغنياء المهندسين لان رائحة الشارع تتسلل اليهم رغم اجهزة التكييف .
و كلبي الصغير يستفز مشاعر الناس في الشارع كلما تجولنا لسبب أجهله.
و اعلانات الفياجرا في صيدليات وسط البلد تنهك مشاعر الشباب الذين لم يختبروا اعضاءهم التناسلية بعد. و ينتظرون اللحظة.
و البرنامج التقدمي لا سوستا ينبش في مشاعر ضيوفه من أجل اضحاك المشاهد ، و ان كان هناك من الضيوف من يستحق ذلك.
و تاجر البانجو يعذب مشاعر تاجر الحشيش لانه يصنع بديلا اقتصاديا و يحط من ذوق المشتريين .
و حمامات سيتي ستارز ترهق مشاعر ذوي الاحتياجات لأنها غير معدة لخدمتهم.
و غالبية افلام الصيف تبكي مشاعر اي سينمائي يحترم نفسه.
و هدم واجهات منازل وسط البلد و هليوبوليس تخلخل مشاعر اي مهتم بالمعمار.
و مريم فخر الدين تحرج مشاعر ذويها كلما اطلت في الفضائيات

الخلاصة أن مسألة الـ "مشاعر" هذه تختلف من شخص لآخر و من مجتمع لآخر، بل و حتي في المجتمع الواحد فهي تختلف بحسب الزمان و الظرفية. و بالتالي مسألة سن قوانين معتمدة علي المشاعر هي مسلك غير مسؤول تماما في رأيي و فيه أنانية ما من الفئة الداعية له. و في مسألة المشاعر جرت العادة على استخدام التوعية لجميع الفئات كحل أمثل ، و إن وضع كل منا نفسه محل الآخر أيا كان فسيفهم أن المشاعر حينها ستتبدل أيضا.
منذ لحظات تركت حاسوبي لتوديع صديق في الشارع على قارعة الطريق، مرت فتاة وبجوارها ما بدا أنه أبيها، كانت ترتدي فستانا من قطعة واحدة بنفسجي اللون و كان قصيرا جدا، يمكن ان حدث و مر قدر قليل من الهواء أن يكشف عن ما جاهدت لإخفائه (ادعوها ان كانت تقرأ المدونة أن تتواصل معي عبر البريد الالكتروني)، المهم انها قد استثارت مشاعري، فبحلقت أنا بعضا من وقت ثم اكملت وداعي للصديق. و رغم انني لم أكن صائما (لي رخصة شرعية للافطار حتى لا اتهم بالمجاهرة بالافطار في مكان عام هو شبكة الانترنت) و رغم أن صديقي لم يكن صائما أيضا (لا اعلم إن كانت لديه رخصة شرعية أم لا ) إلا أنني رغم استثارة مشاعري فقد استمتعت بالمنظر للحظات.
المغزى من القصة السابقة الهامة جدا أن تحريك المشاعر لا يشترط أن يكون سلبيا أبدا، و لكن الخوف من ان تتبدل مشاعرنا (ربما عاداتنا و ميولنا كمجتمع) هو ما يهوس و يرعب المحافظين الداعين لمنع المجاهرة بالافطار او منع الزنا بالتراضي و ما شابه هذه الأفعال.
ان التلذذ بالرضوخ للعادات، و قمع النفس و الاقربون بحجة الدين/العروبة/القومية، هي صفة شرقية بحته، يمارس فيها الأغلبية قمعا لا اجد له مبررا و استغربه حقا.
فلا أدري كيف تفترض الأغلبية أن اقلية الأقلية تؤذي مشاعرها؟ و كأنه إن لم يعش الجميع تحت وطأة مسلمات واحدة و نظرية واحدة للتعايش فهناك خطر جم علي الاكثرية. إن زراعة البروكولي لم تؤثر بالسلب على زراعة القنبيط، و مزارع البيبي كورن لم تقلل من فدادين الذرة الشامية. - اعرف ذلك لان البيبي كورن تزرع في مزارع البطاطس-
و بالحديث عن البطاطس، أؤكد أن أمي امساها الله بالخير لازالت تقلي البطاطس العادية في المنزل، و ليست أبدا من الاقلية التي تشتري الفارم فريتس.



٠٥‏/٠٩‏/٢٠٠٩

و عَبَــــر...

بينما كنت اقود سيارتي متجاوزا شارع القصر العيني ، و تماما عند تقاطع الطرق الخاص بمستشفى القصر العيني. شاهدت شابا يعاني لكي يقطع الطريق.
تأملته فكان شابا رث الثياب، بقميص مفتوح يتدلى منه شيئ ما، بينما اقود ببطء كانت زاوية السيارة قد بدأت في الكشف عن أن الشاب الذي يعبر الطريق قد وُضعت ضمادة تلف جذعه بالكامل من تحت قميصه ، و منها خرجت أنبوبة تتدلى متصلة بكيس من المحلول الطبي الذي يحمله في يده.
كان يحاول بألم شديد عبور الشارع ليصل لمستشفاه، لم أتبين حقيقة الوضع إلا بعد تجاوزه بسيارتي بقدم أو أكثر ، توقفت و حاولت النزول، و هنا حدث دوي و صراخ من سيارات الشارع من خلفي، هدير مرعب أعادني لغلق الباب، تحركت ببطء و قلت ربما اكبح السيارة على مبعدة أمتار قليلة و أعود للشاب، لعلي مساعد في شيء.
فعلا ، و عند أول رصيف بعد التقاطع توقفت و نزلت عائدا نحو الشاب الذي كان و قد أصبح في عرض الطريق يجاهد للعبور بتؤدة.
و بينما أسير تضاربت في عقلي الأفكار: ماذا يمكن أن أقدم له؟ هل اوصله ، حتى في هذا الزحام لن يكون عمليا ، فهو لن يسير لسيارتي، و لن استطيع ان أسأله ان ينتظرني لآتي اليه في محله الآن، هل أعرف مشكلته ثم أحدث أي من معارفي الأطباء؟ هل أمنحه نقودا؟ وضعت يدي في جيبي فكان معي فقط عشرون جنيها.
بينما اتجاوز السيارات نحوه وجدت في وجهي ضابط شرطة ، كان لواءا .. نظر لي بعنف رهيب و قال: ارجع عربيتك واتحرك يا استاذ!
لم أقل حرفا، التفتت و عدت لسيارتي سريعا و الضابط يلاحقني بنظراته، و بينما أدخل السيارة كان سائق سيارة من جواري ينظر لي غضبا قائلا: دي وقفة؟ اللي خبطهالك على فكرة ما كانش غلطان....خللي عند أهلك دم.
لم أرد، ركبت السيارة. اغلقت الشبابيك. و تحركت لبيتي.
دخلت البيت و أنا أفكر كم هي قاهرة مدينتنا هذه، كل على حافة الغليان، لا مكان لالتقاط الأنفاس. حالة استنفار عامة و ترقب لكارثة ما يجعلنا لا نطيق أقل المتغيرات.
تذكرت الفيلم "يدٌ الهية" ، تذكرت مشهد النهاية، البطل و أمه جالسان أمام الموقد، و القدر علي النار يغلي.
و يستمر في الغاليان..
هنا رن جرس
الباب في بيتي ، كان طفلا صغيرا يعمل لدى المكوجي ، أعطاني الملابس و قال: ١٦ جنيه يا بيه.
وضعت يدي في جيبي، لم أجد سوى العشرين جنيها، أعطيتها له قائلا : خلي الباقي عشانك.




مشهد النهاية من فيلم "يدٌ إلهية"




٢٧‏/٠٧‏/٢٠٠٩

وطن

"من فضلك، استمع إلي..
فأنت مثلي، كائن بشري.
إنسان عاقل..."

بهذه الكلمات الدعوية و المباشرة بدأ الفيلم الوثائقي الفذ "وطن" ، ذلك الفيلم الذي أُطلق في عيد الأرض في الخامس من الشهر الماضي ، بضعة أيام من عرضه و كان الفيلم قد انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التحميل في الشبكة ، قمت بتحميله حينها لكن لم تتسن لي رؤيته إلاّ مؤخرا للأسف.
الفيلم الملحمي عبارة عن ساعتين تسجيليتين صنعت فيهما أعظم اللقطات التي رأيتها لهذا الكوكب على الإطلاق ، يؤرخ بشكل سودوي و كئيب لنهاية هذا العالم ، و كيف خرب هذا الكوكب الرائع بيد الانسان.
أزعجتني في البدء لغة التعليق التعليمية و الموجهة، و لكنني بعد قليل مستمتعا بسحر الرؤية كنت على يقين بأن العالم لم يعد لديه الكثير من الوقت ، و أن عليه أن يسمع. عليه أن يعلم أنه لم يعد هناك وقت للتفاؤل، فالأمر جد مؤسف.




لم أجد بأسا من تكرار معلومات بشكلها البحت من نوعية أن:
  • خُمس سكان الكوكب ليس لديهم وسيلة للحصول علي مصدر ماء صالح للشرب
  • ٥٠٠٠ شخص يموتون يوميا لاسباب مرتبطة بمياه الشرب.
  • و اكثر من بليون شخص يعانون الجوع.
  • و أن ٢٠٪ من سكان العالم يستهلكون ٨٠٪ من موارده
  • في حين ينفق العالم في التسلح ١٢ مرة ضعف حجم المساعدات للبلدان النامية.
  • ٥٠ ٪ من تجارة الاغذية موجهة للانتاج الحيواني ، و في الامازون اكبر غابات الارض ، تم تحويل خمسها إلي مزارع للاعلاف ، ليتم تصديره لأوروبا و اسيا لتسمين ماشيتهم ، إذن تم تحويل الغابة للحم.
  • خلال الاربعين عاما الأخيرة فقد القطب الشمالي ٤٠٪ من جليده الذي ذاب رافعا مستوي البحر ، ٧٠٪ من سكان الكوكب يعيشون على شواطئه.
  • ثلاثة أربعاع مساحات الصيد السمكي في العالم قد استهلكت ، علما بأن فرد من كل خمسة يعتمد الاسماك غذاءا يوميا.
  • كل عام ١٣ مليون هتار من الغابات تختفي ، و أضيف أنه للحصول على سندويتش تشيزبرجر فقد استُخدم ما يعادل ربع متر من الغابات لانتاج ما فيه من لحم فقط ناهيك عن وقود الانتقالات و الاستهلاك الحراري.
  • هناك ثديي من كل اربعة، طائر من كل ثمانية ، زاحف من كل ثلاثة عرضة للإنقراض ، معدل تسارع وفيات بقية كائنات الكوكب تتسارع إلى الف مرة ضعف معدله الطبيعي.
  • متوسط درجة الحرارة خلال العقد الأخير هو الأعلي في تاريخ الأرض. متوقع نزوح ٢٠٠ مليون بسبب التغيرات المناخية خلال السنوات القادمة.
  • المؤسسات و الشركات الضخمة استبدلت العمال بالآلات التي استهلكت وقودا أدي لرفع حرارة الارض/تلويثها/فقدان العمال قوت يومهم/ قيام الحروب/ نضوب المعادن.
  • دبي تستهلك مياها و طاقة توازي ما تستهلكة بلدان بأكملها، لاقامة جزر اصطناعية و ملاعب جولف مزودة ببحيرات للمياه العذبة، دبي وحدها تفني ما تبقى من اتزان بيئي في المنطقة المحيطة.

الحقيقة ، الفيلم لم يضف إلي الكثير ، و لكنه ترك في شعورا مريرا رغم جماله الفاتن ، فالفيلم بلا أي لقاءات او حوارات ، بلا بشري واحد يشرح موقفا ، هي صور جوية متتابعة صنعت باتقان معجز، ليست لأنهار و جبال و غابات فقط ، و إنما لمدن و مجتمعات و قطاعات متعددة ، صور جوا في ٥٠ دولة مختلفة ، صور فوقية تكشف الكثير مما يخفى علي عين الماشي علي الأرض.



لم أكن لأكتب عن الفيلم بعد مشاهدتي الأولى ، و لكن الذي دفعني هو ما قرأته عنه بعد ذلك.
فالفيلم مبدئيا - و إن كان يباع في أمازون بسبعة عشرة دولارا - إلا أن الفيلم منتج تحت رخصة كرييتڤ كومنز، فهو متاح للجميع بشكل مجاني للتحميل و النشر بدون قرش واحد رغم تكلفتة الباذخة.
قال أحد منتجي الفيلم و هو المخرج الفرنسي الشهير لوك بيسون في يوم المؤتمر الصحفي :
"أتانا المخرج بطلب غريب جدا، أنه يريد ان يكون الفيلم مجانيا، متاحا للجميع ، يطلق في كل البلدان في نفس اليوم في السينما و الانترنت و الديفيدي في آن واحد "
و يقول المخرج: " ليس للفيلم أي حقوق ، ففي الخامس من يونيو - يوم البيئة - يصبح الفيلم متاحا للجميع للتحميل من علي الشبكة ، سيتاح مجانا للموزعين سواء في السينمات او التليفزيونات في كل ارجاء الارض من هذا التاريخ ، لا يوجد "بزنس" في هذا الفيلم ، هو متاح للمدارس و المدن و الجمهيات الاهلية و التعليمية ، و لك أيضا".
المبهر هو كيف استطاعوا تحقيق ذلك؟ كنت دوما مهتما بالافلام مفتوحة المصدر او المتاحة قانونيا للآخرين ، الواقع أنهم قد استعانوا بشركة قابضة فرنسية تحوي مؤسسالت تجارية عملاقة مثل: فناك ، بوما، جوتشي، إيف سانلوران و اخرين.
و بهذا أصبح أصحاب المشكلة الاصليين ضالعين في حلها.. في انتاج فيلم يشرح ما جنته أيديهم علي هذا العالم ، يقول مدير الشركة القابضة: " أعترف أننا لسنا كاملين ، و آن الأوان لنا أن نواجه النقد، لعله يدفعنا للحراك ، و أخذ خطوة للأمام."

الحقيقة وجدت الكتابة عن الفيلم هي أقل ما استطيع عمله لجعله أكثر انتشارا و لو بعدة افراد.

لتحميل الفيلم من التورنت:
الفيلم في صيغة مدمجة عالي الكفائة ١٤٠٠ ميجا
الفيلم في صيغته الأصلية ديڤيدي ٤،٤١ جيجا
موقع الفيلم الرسمي.
النسخة العربية كاملة على يوتيوب .


و كما جائت نهاية الفيلم: " نعلم أن الحل بأيدينا ، و أن لا بد من القيام به لا محالة ، فما الذي ننتظره؟"


٢٥‏/٠٧‏/٢٠٠٩

حول القتل من زاويتين

بينما كنت أسير في إحدى المدن الألمانية ، وجدت الميدان الذي مررت عليه دوما و قد نصب في منتصفه مسرحا صغيرا ، دقائق و كان هناك أشخاص ينصبون معدات صوتية و سماعات كثيرة ، و دقائق غيرها و كان فتية و فتيات المدينة الصغيرة قد اشترون زجاجات البيرة و افترشوا علي الأرض في انتظار الحدث.
لم تمر الساعة حتي كان هناك فريق من الموسيقى الغجرية و قد وقف و غنى و رقص بلهجاته المحلية ، و بعض الفرنسية ، و غالبية الحضور لم يكن يعرف للكلمات معنى ، و كان المغنون يداعبون الجمهور بالفرنسية أيضا.
كان الفريق من الرجال فقط ، تقافزوا و تراقصوا بكد و اصرار ، داعمة اياهم موسيقاهم الفرحة بشكل استثنائي.
وقفت بين الحضور ، تجمع الشباب و الشابات و رقصوا في وسط الميدان بين يدي الفرقة ، تلك التي غنت ألحان متعددة الهويات، و كان الجميع في حالة نشوة عارمة.
و بينما نحن على هذا الحال ، و في وسط الميدان الواسع بين الشباب الراقص - كانت الشمس لم تغرب بعد رغم تجاوز التاسعة مساءا - ظهر رجل ملتح و متجلبب ، و بجواره امرأة منقبة.
بمنتهى الوقار وقف للحظات تابع العازفين باهتمام بالغ للحظات. و ما لبث أن قال شيئا للمرأة ثم انصرفا باسمين .
أخذت انظر للرجل ، حتى نهرتني صديقتي الألمانية: كفاك بحلقة في الرجل، اتركه لحاله.
خجلت من بحلقتي ، قلت أنه موقف كهذا في بلدي لا بد أن تتبعة مشاجرة أو كلمة من هنا أو من هناك .
قالت لي : هنا الوضع يختلف .

المسرح الصغير حيث غنى فريق
Valiumvalse

بينما ادخل تحت غطائي البارد في ليلتها تذكرت الميدان و الحفل ، قلت أن هذا مجتمع صحي ، كل يعيش حياته كما يحلو له ، لا يتدخل كل في حياة الآخر ، ولا يقف أحدا وصيا علي الناس ،و ليس للمواطن العادي هموم اصلاحية أو إرشادية . الامر لدينا جد مختلف ، لاسباب عديدة ظلت تتحرك في عقلي مجيئة و ذهابا حتى نعست.
ففكرت أنه في بلدنا اذا أقيم حفل كهذا في ميدان عام - و ليس في اطار حدث سنوي مغلق كمهرجان الكوربة و ما شابهه ، سنصحوا علي ضجة في الصحف حول فائدة هذا الحفل ، حول الفساد الذي وراءة ، حول مغني ذو اصل يهودي ، و غالبا ما ستصدر مجموعات في فيسبوك تنادي بمقاطعة الهيئة التي أقامت الحفل على خلفيات سياسية / دينية كما اعتدنا.



بعض الحضور الراقص كما التقطتهم بعدستي


بالبارحة لأسباب مهنية جائتني رسالة من صديق مصري ، عبارة عن بريد من هيئة المانية تطلب فنانين مصريين للمشاركة في حدث ثقافي ما ، كان الأيميل يبدأ باعتذار من هذه الهيئة الفنية للعالم الاسلامي عن مقتل مروة.
شعرت بضئالة رهيبة ، لماذا يتوج هذا الامر رسالة ذات محتوى تبادلي ثقافي؟
لم تأتيني سوى إجابة واحدة: الألمان يخافوننا.
الغرب لم يعد يريد مشاكل مع هذه المنطقة.
هم يعرفون أننا هناك دوما أمرا سنثور من أجله ضدهم ، و واضح أننا ماهرون في الثورات ضد الغرب.
و للأسف ماهرون فقط ضد الغرب.
فحينما قتل اثنان بالبارحة بسبب أسلاك عارية على الأرض في الوادي الجديد ، مر الأمر مرور الكرام لأن العدو هو جزء مننا ، و من تركيبتنا. و لم أجد حتى رابط للخبر الذي رأيته صدفة في جريدة.
و حينما قتل الضابط المصري مرڤت راكلا إياها في بطنها الحامل و لفظت روحها مع جنينها خلال دقائق ، مر الأمر مرور الكرام.
و حينما ضرب ضابط آخر شاب بالرصاص بسبب مشاجرة كلامية اما النادي ، لم تقم الثورات ، و لم ترتفع لافتة واحدة.
حينما أشعل مواطنون النار في بيت مغتربين سودانيين في الحي العاشر و قتلو البعض و حصل البعض على اعاقات لمدي الحياة ،لم تغطيه الصحف حتى ، و لقد عاينت بعيني ساعدا محترقا لسوداني يلهوا جيرانه المصريون بإلقاء العبوات الحارقة على غرفهم أثناء النوم ، لم يغطي صحفي واحد الأمر، بل و لم تتحرك القضية قضائيا حتى.
و لن أبدأ في الحديث عن ما يحدث في الأقباط خارج الكتلة القاهرية، فالضحايا عديدون .


و الحقيقة أن كل هذه الأشياء هي ثوابت نعرفها جيدا و و ناقشها الكتاب، و الحقيقة أنا متعايش معها تماما، و لا ابالغ ان اقول انني اعتدتها و اصبح جلدي اكثر سماكة كلما اتت احدى هذه الصفعات.
لكن الأزمة الكبرى ان تزدوج معايير هذا المجتمع لهذه الدرجة الَمرَضية، فلا نجد غضاضة فيما يحدث في دارنا بشكل يومي ، و لكن إن حدثت أزمة عارضة كحادثة مروة ، يصاب الناس بالذهول و عدم التصديق ، و كأننا لم نر هذا يحدث بشكل يومي لدينا.
أي ازدواج للمعايير هذا؟ و أي عمى وصلنا؟

مروة قامت برفع قضية في محكمة لان القاتل قد تطاول عليها و علي ابنها بالفاظ عنصرية ، و قضت المحكمة بتغريمه ٧٥٠ يورو ، و هو الأمر الذي تظلم فيه و رفض الدفع ، في حين أن المدعي العام ايضا احتج علي الحكم ، و أصر على رفع العقوبة لتصل للسجن، لانها العقوبة القانونية لاي خلافات ذات منحى عنصري. هكذا تعاملت المانيا مع القضية في مهدها.
ارى من المضحك أن يطالب الشعب المصري حكومة المانيا بالاعتذار ، و هي التي اصرت اساس على حبس الرجل لانه تفوه بالفاظ عنصرية.
في حين أننا في وطننا الحبيب ، لا يعاقب القانون على مقولة "عضمة زرقا / أربعة ريشة" و ما شابه هذا الهراء في وصف الأقباط.
و سأطيل بقصة حدثت في حي مدينة نصر حيث نشأت .
فقد كان شباب التبليغ و الدعوة يطوفون الأحياء ، و يحثون الشباب علي الصلاة و اتيان المساجد، و قد حدث أن قابل "أمير" - هو صديق من ايام المراهقة - أحد شباب المبلغين ، و دار هذا الحوار :
المبلغ :طيب تعالى معايا الجامع صلي...
أمير : لا معلش اتفضل انت
المبلغ : يا سيدي جرب مرة ، و ما تجيش تاني.
أمير: لا .. اتفضل سعادتك.
المبلغ ( مادا يده بحميمية ساحبا ذراع أمير) : طيب تعالى بس .. صدقني مش حتندم.
أمير : يا سيدي أنا مسيحي!
المبلغ : (مشدوها) مسيحي؟؟؟! إتفوووووو!
و بصق الرجل على حذاء امير.
قال أمير: إتفو؟؟ تقدر تقول كده في القسم؟
قال الرجل: و اقوله في اي مكان يا نصراني.
سحبه امير في هدوء للقسم القريب جدا من مكان الواقعة ، و هناك قام الضابط بصرف الشاب الدعوي و رفض تماما عمل اي محضر ضده.
قال الضابط لأمير بالحرف الواحد: "يا عم امير الموضوع بسيط.. عامل مشكلة ليه بس.. روح شوف حالك بدال العطلة."

فمن ناحية نحن مجتمع يقبل تماما ان ينتهك الآخر ، مسيحي ، سوداني ، بهائي .. و لا غبار على ذلك أبدا.
و الدولة من ناحية أخرى ليس لها سوابق في نصرة النصارى على المسلمين في تفاصيل يومية مثل هذه (او مثل تفصيلة قضية مروة) ، و الحكومة قتلت بدم بارد سودانيي المهندسين، و تسمح لقنواة تبث على قمرها الاصطناعي بالتحريض و التكفير بل و الدعوة للقتل حرفيا ، في حين ترفض ان يكون للمسيحيين قناة خاصة - و هو رفض شعبي أيضا.

إذا تنطبق مقولة المسيح : "أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟".

اليوم نحصد أثر خطبة الجمعة في مساجد مصر البارحة ، و التي قيل ان الآلاف فيها قد قامو بتكفير الباحث سيد القمني و اهدار دمه. فببساطة يرى الكثيرون في بلدنا ان مواطنا يستحق القتل لاسباب عقائدية بلا محاكمة او استتابة ، و ينقمون هم أنفسهم علي مواطن الماني طعن فتاة مسلمة لاسباب عقائدية ايضا و ذلك في ردهات محكمة كان الغرض منها احقاق الحق للفتاة.
ها قد أتي على المسلمين حين من الدهر أن استباحوا دماء من يشهد شهادتهم ، عن جهل محض بآرائه و مؤلفاته ، و اضحت حياة رجل على المحك. وسط صمت و تباطؤ رهيب من الحكومة او التنويريين . مما دفعه لنشر نداء بائس اقرب للاستغاثة ، لعل من يؤازره في محنته ، و لن انسى رده في برنامج المصرية للمذيعة ريم ماجد حينما سألته لماذا لم يتحرك ضدهم منذ البداية قال بشيء من الاستسلام: "حاعمل ايه؟.. الاخوان كُتار".
هكذا في شهر واحد نرى لأي مدى هذا المجتمع قد فسدت ضمائره ، و اصبح يكيل بمكيالين علنا و جهرا، و لا يرى حتى اي غضاضة في أن يمارس ما يثور ضده، بحجة امتلاكه للرأي و الحقيقة.
إن لم يذكر كل مسلم لحظة ان رفع المبشرون بالجنة السيوف أمام بعضهم البعض، فحينها يصبح جليا أنه لا يوجد من يملك الحق بمطلقه ، و من المعروف أن الإمام علي لم يكفر من حاربوا ضده، و بكى من قتلوا أمامه في المعارك، و لم يستبح غنائمهم ، و ازهقت دماء الآلاف.

مجتزأ من كتاب القمني
شكرا بن لادن
(للتحميل)

الازمة الآن ليست في اعادة قصص صدر الاسلام ، ولافي تحسين ما تشوه من صورته ، لا اي من هذه الامور
أرى الأزمة في صمت بالغ يستمر كل مرة اشهرت قوي الظلام انيابها ، و في تقاعس مستمر من هؤلاء الذين كان بلأحرى بهم التحرك و الحديث. عشرات تحركوا و ثاروا من أجل قضايا خارجية ، و لم ينشر منهم سطرا من أجل ازمة داخلية تقتص من فراغهم العام شيئا فشيئا.
ربما ليأس و، ربما لخوف ..لا أعلم ، لكنه صمت مؤسف جدا، و سيعود ضررا على الجميع.

و أعود مرة أخرى للمسيح: " يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ".


١٦‏/٠٦‏/٢٠٠٩

تحيـــــة


من حيث أجلس هنا ، في غرفة مكيفة و على مقعد وثير..
لا أملك لهم إلا تحية تملأ القلب..

قوات مكافحة الشغب الايرانية تطارد مناصري موسوي في طهران


تحية للملايين من الجموع ، لملايين الطلبة الذين تكاتفوا للأيام الثلاثة الماضية ، رافضين أن تستمر إيران في التقهقر في غياهب العصور السحيقة. شاقين طريقا وعرا لإصلاح بلادهم مهما تكلفوا.
تحية لفتيان و فتيات ضربوا ، و سحلوا ، و استبيحت بيوتهم من قبل رجال الميليشيا ، لأنهم رفضوا نتائج انتخابات أقر بها العالم أجمع.
تحية لشباب الحرب الاليكترونية الذين سطروا تاريخ حركتهم ثانية بثانية على المدونات و التويتر ، مما أحرج كل وسائل الإعلام العالمية التي لم تعرف حقا ما الذي يدور بطهران.
تحية للمدونين و الناشطين بالعالم أجمع الذين ساعدوا الشباب الإيراني للتخلص من الرقابة و جعل الانترنت هو عيون العالم على ما يحدث هناك ، إن كان هناك من يكترث حقا.
تحية لأرواح ضحايا البارحة الذين قتلوا في طرقات طهران و اصفهان علي يد قوات الرئيس "المنتخب".
تحية للمرشح المهزوم مير موسوي القائل للثوار: ارموهم بالزهور، و تحية لانصاره الذين نفذوا.

أحد أنصار موسوي يرمي الميليشيا (الباسيچ) بالورود
متظاهر من انصار موسوي يساعد أحد ضباط الامن الذين جرحوا
(OLIVIER LABAN-MATTEI/AFP/Getty Images)



و طبعا ، لا زلت أُكن احتقارا رهيبا لكل من
السيد أحمدينچاد الذي رأي ان تحترق البلاد ، و إن ظل على عرشة ، و ما لبث أن هرب لروسيا.
الحكومة الإيرانية التي اغلقت كافة شبكات المحمول ، و الانترنت ، و منعت الصحفيين الاجانب من تغطية الاحداث.
السيد حسن نصرالله الذي لم ينفك أن أرسل مئات من حزبه لدعم السيد أحمدينچاد ، و سحق الثورة ضده، فلا ديمقراطية الآن.

اليوم، اثبت الإيرانيون ، أنهم أمة من الثوار ، أمة من المدونين ..
أتمنى ، أن تستمر الثورة.





١٤‏/٠٦‏/٢٠٠٩

حول شجـــرة

كنت في هذه الأيام، عادة ما أرجع لبيتي في ذلك الحي القاهري العتيق بعد منتصف الليل، و طالما تعجبت كيف تنقلب أحوال شارع صغير من عشية لضحاها بشكل يومي ، فبعد منتصف الليل ، يكون الشارع هادئا صامتا بلا من مار.. عربات قليلة مصطفة ، و صمت مريح لدرجة كبيرة. عكس نهاراته الصاخبة ، حيث تصطف السيارات صفوفا وقد تمتطي الرصيف احيانا ، و يزخر حينها بالمنادين و الباعة و موظفي البنوك و المؤسسات الاجنبية. بستراتهم انيقة و رابطات عنق ملونة.
و حدث في أحد الأيام أن عدت يوما للشارع قبيل الفجر بقليل، كان صامتا مكسوا بأشجاره القديمة ، كان المنظر مريحا جدا ، لا أدري ما الذي جعلني التفت للأعلى فوق إحدى الشجرات الضخمة - ربما شعور خفي بأنني مراقب - و ما ان رفعت عيني حتى وجدت على أحد غصون الشجرة بومة بيضاء عملاقة ، تنظر مباشرة في عيني.
كانت كبيرة و بيضاء بلا شائبة ، تقف على غصن خارجي، و لما كنت أعتقد أن رؤيتي لبومة بهذا البهاء هو حدث استثنائي على ان اشكر الظروف عليه، فوجدتني متسمرا في مكاني لعدة دقائق لا افعل شيئا سوى الحملقة فيها، و البومة فعلت نفس الشيء ، و كأنه اتفاق بين كائنين أرضيين أن يتفرج كل منهما علي الآخر بلا ضرر ولا ضرار.
ما لبثت البومة أن اكتفت مني ، ففردت جناحيها بشكل استعراضي ، و حلقت، كانت عملاقة فعلا و أجزم أن المسافة بين الجناحين المفرودين تتجاوز المتر بقدر ليس بقليل. دارت نصف دورة فوق الشجرة الكبيرة ثم استقرت في غصن داخلي خفي فيها.
قررت ترك مكاني و الاحتماء دارا من برد الشتاء في حينها، و اتركها تلتقط الرزق كشأنها الليلي. أخذت أفكر لماذا يكره الناس البوم؟ وفكرت فيما تفعله حينما يصل الشارع لذروة جنونه مع التاسعة صباحا، فكرت ان كان لها من ابناء او ان كانت ضمن سرب ما، فكرت انني لا أعرف كثيرا عن البوم. قلبت بعض مواضيع عن البوم في الشبكة، و خلدت للنوم.

بومة بيضاء من فليكر،
منشورة تحت رخصة


مرت أشهر ، و صرت كلما مررت من جوار الشجرة صباحا أو مساءا لابد أن أرفع رأسي متابعا فروعها العملاقة كثيفة الأوراق، و أبحث عن البومة، لكن بلا جدوى.
بعد أيام عدت فجرا لأجد الشارع مزدحما على غير العادة به حركة غريبة و مغلقا بسيارة نقل متوسطة، ما أن دخلت الشارع إلا ووجدت خللا ما في منظوره الذي اعتدته ، هناك نوع من فقدان الاتزان فيه. لقد قطع هؤلاء الرجال الشجرة.
لم اصدق ما أرى، كان العمال يجرجرون قطع خشب و اغصان خضراء كثيفة و بحملونها فوق العربة و ذلك قبل ان يبدأ جنون الشارع الصباحي. جريت نحو أحدهم.. سألته عمن هم ، و لماذا يفعلون ذلك، قال:
- احنا البلدية يا باشا، و عندنا مأمورية نشيل الشجرة.
وجدت أنه من صميم العبث أن اخبره أن بعض اشجار هذا الشارع وجدت صورا لها منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فمن تحسبون أنفسكم لكي تأتون لازالة شجرة استظل بها المارة منذ مراهقة أجدادنا. و لكن كنت اعرف انه لا داع لمثل هذا الحديث. فقد كان جثمان الشجرة يسحل أمامي على أسفلت مترب. قررت على الاقل أن امنعهم من قطع اي شيء آخر، فهي ليست المرة الأولي التي أحضر شيئا كهذا، و لكنه قال:
-لا يا باشا ، هما قالولنا الشجرة الكبيرة اللي قدام نمرة ٣٦ عند الجامع. و بس.
بحثت بعيني عن أي اثر للبومة او أي طائر بين الفروع علي الأرض ، كان ظلاما ،ولكن رنّت كلمة "الجامع" في أذني و كان لها وقعاً ، فقد شعرت أن للمسجد الصغير في بدروم العمارة المجاورة للشجرة دور ما. قررت في اليوم التالي سؤال البواب، فقال:
- آه ، ماهو الشيخ قال نشيلها عشان لا مؤاخذة الطيور أوقات بتإذي الناس لما بتفرش و بتصلي الجمعة في الشارع.
- الناس بتفرش في الشارع نص ساعة كل اسبوع ، تفتكر ده سبب كافي لانهم يقطعوا الشجرة موجودة من قبل ما نتولد؟
- اهو الي حصل، هم اتفقوا و كلموا البلدية و خلاص. و بعدين ما سعادتك عارف انه لو عصفورة ولا مؤاخذة شخت على حد ، بتنقض وضوه..

ابتلعت ضيقي من البواب، و إمام المسجد، وأهالي الشارع، و قررت اعتبارها ازمة بسيطة ، فنحن في مدينة يعاني سكانها أكثر بكثير من مسألة قطع اشجارهم. و قلت أن البواب نفسه آخر مشاكله هي الشجرة من عدمها، و لا ألوم عليه.
ظل ما تبقى من الشجرة هو بضع سنتيميترات من قاعدتها في الأرض ، فلم يقتلعوها من الجذر ، و إنما ذبحوها من مكان المنبت، و هكذا كانت قاعدتها ثابتة في الشارع ليتعثر بها المارة بعد أن كانت تظللهم و تعطي كثيرا من خضار.
أيام مرت وكنت أسير نهارا فوجدت برعما أخضر ينبت من خشب هذه القاهدة المتروكة، كان اخضرا زاهيا بشكل عجيب. تذكرت فيلم إمير كوستوريتسا "Life is a Miracle" ، و تأكدت مثله أن الحياة مستمرة بغض النظر عن بقية التفاصيل و الترهات. و لكن قلت انه لا بد أن هذا البرعم أن يموت ، لضعفه و صغره و اكتظاظ الشارع بالمارة. و لكنه لم يمت ، بل نما و خرج عشرات آخرين من كل جوانب الشجرة في اعتراض سافر، و رغبة محمومة في الاستمرار.
كنت كل يوم أمر لأجدهم وقد ازدادوا طولا.. كنت سعيدا جدا، و كثيرا ما فلسف عقلي المرتبك هذا الحدث و ربطته بأمور أخرى في حياتي.

صورة رديئة التقطتها للشجرة سريعا
قبل ان يتحرش بي احد افراد الأمن


منذ يومين مررت نهارا فوجدت أحد بوابي الحي مع إمام المسجد واقفين امام "الشجرة" تلك التي كبرت براعمها في سرعة جنونية و أصبحت شجرة خضراء صغيرة ، و كان البواب يقوم بكسر الفروع الصفيرة و يلقي بها بعيدا، حينها كنت اركب سيارتي ، فار الدم في عروقي.. خرجت صافقا باب السيارة من ورائي مقتربا منهم في خطوات هوليوودية الطابع، و ممسكا مفتاح سيارتي في قبضتي معتصرا اياه غضبا.
لاحظ الإمام وجودي المفاجيء في فضائهم ، حياني فلم أرد .. قلت:
- ايه؟ حتقطعوها تاني؟!؟
ابتسم الشيخ و قال:
- لا لا.. احنا بنشيل الفروع الصغيرة عشان الفروع التانية تكبر، كده احسن.
نظرت فوجدته يقول الحقيقة .. فقد كانا يزيلان صغائر الفروع مفسحان فرصة أخرى للفروع الأكبر في التمدد.
اضاف الشيخ:
-احنا بقى مش حنقصها تاني، خلاص .. ربنا رايدلها انها تعيش.
و ابتسم.
قلت:
-ربنا كان رايدلها انها تعيش من الأول انتوا اللي قصيتوها!
اطرق الشيخ و لم يرد. و أؤكد أنه رغم عدم معرفتي به ، إلا انني رأيت خجلا شديدا علي وجهه.


٠٩‏/٠٦‏/٢٠٠٩

بلاهـــة

مقعد فارغ يشكل واحدا من خمسة مقاعد أخرى مرتبطة بقضيب حديدي مهتريء ليدعمهم من الأسفل. هذا الشكل ليس بالنادر في المجمعات الحكومية حيث أقضي ساعات لاستخلاص أوراق لا أعلم من يكترث بشأنها سوى الحكومة (تلك التي تملكها في الأساس) مما يجعل الأمر عبثيا جدا ، لكن من أنا لأقول علي اية حال.
وجدت الكرسي فارغا و ان بدا متسخا بعض الشيء ، لم اكترث و اتخذته ركيزة للانتظار.
و كان الجالس لجواري يمارس عادة مصرية اصيلة و هي اختلاس النظر لأوراقي ، ففضلت ان اكشفهم امامه بشكل واضح لأوفر عليه عناء المتابعة، و ينتهي سريعا.
لحظات و أتى شاب شديد الأناقة ، مهندم و ذو شعر مصفف بطريقة لا أعرف إليها سبيلا، اقترب من رجل ملتحي على ميمنتي و قال له:
- ممكن تملالي البيانات بتاعتي في الاستمارة؟
الحقيقة لم أتصور ان الشاب أميا أبدا ، و شعرت بالضيق من نفسي أن اتصوربالضرورة أن يكون الأُمي فلاحا بجلابية مهترئة و خاتم توقيع معلق بحبل في رقبته ، قلت أن الزمن تغير ، و المظاهر تعوض فروق كثيرة الآن. و قلت انني برجوازي (في نفسي أيضا حتي لا يسمع الآخرون).
و بينما يملأ الملتحي المتجلبب استمارة الفتى لاحظت أن الفتى قبطيا، مما جعل الملتحي يعاني كثيرا في كتابة اسم عائلة الفتى: فيلوباتير.
و كنت اتوقع أن يبدو علي الملتحي اي ضيق او تململ من مساعدة القبطي ، و لكن العكس قد حدث فقد كان شديد الإخلاص و الدأب ، و من ناحية أخري فان الشاب الأول لم يجد غضاضة في اختيار الملتحي بالذات الجالس بجوار امرأة منقبة لكتابة بياناته هو المسيحي، ربما لعادة مصرية في اعتبار المشايخ من أهل المعارف و الكلم.

ثم من جهة أخري ، كان الجالس إلى جواري شابا طويلا جدا ، و أعني انه طويل جدا، نظر إلي و قال:
- لو تحب الجيش يكرهك ، تكره الجيش يحبك.
اعتدلت في جلستي و تأملته بشيء من البلاهة، كنت ادرك أنه يريد أن يفتح موضوعا ما لقتل الوقت، فقلت انني لا افهم ما عناه، فحكى لي قصته.
كان الشاب قد تقدم مع حملة مؤهلِه تحت المتوسط لأداء الخدمة العسكرية ، و لكن تم إعلان أسماء اللذين سيتم تجنيدهم، أما هو فقد حصل علي الإرجاء.
قلت انه شيء حسن ، فالآن يمكنه استكمال حياته ، الزواج او السفر او ما شابه. و لكنه لم يلبث أن أخبرني انه حزين جدا لما حدث ، حتي انه زار أحد الجهات العسكرية طالبا تجنيده ، لكنهم رفضوا.
اعتدلت مرة أخرى ، سألته :
- طيب انت ليه عاوز الموضوع ده قوي كده؟
قال:
- يعني الواحد يبقى عسكري بردو، في جيبه كارنيه ، واقف على باب كده ، بيدخل اللي عاوز و يوقف اللي عاوزه .. سُلطة برده.. كويسة السُلطة.
قلت:
- طبعا، كويسة السُلطة.


غرافيتي لجندي له هالة
القاهرة - فنان/ة مجهول

٢٧‏/٠٥‏/٢٠٠٩

إغلاق


أن أصحو يوما ، بأعين نصف مغلقة، و قدح من شاي في يدي ، فاتحا حاسوبي العتيق، منتظرا ان تأتي صفحة بريدي الالكتروني - و هي عادة امارسها صباحا لاسباب عاطفية بحته و مرتبطة بأناس بعينهم - فما أن اضغط على زر جلب الرسائل الجديدة ، إلا و أن أجد رسالة تقول
"810003c1: We were unable to sign you in to the .NET Messenger Service"
فحينها سأعلم أن هذه الخدمة قد حجبت عن بلادي.
الحقيقة أن هذا لم يحدث بعد - في مصر على الأقل - لكنه أعلن رسميا في مسارات أخرى، تماما كما حذر المستخدمون و المبرمجون مرارا ، و لم يكترث الكثيرون.
فمنذ بضعة أيام، أعلنت شركة مايكروسوفت رسميا عن إغلاق خدمة MSN Live في خمسة بلدان ، هم: السودان ،إيران ، سوريا ، كوبا و كوريا الشمالية . وفقا للمتحدث الرسمي للشركة قال:

"ميكروسوفت قد توقفت عن مد خدمة مسنچر لتلك البلدان التي تتعرض لعقوبات من قبل الولايات المتحدة
هذه العقوبات يمكن الرجوع إليها من خلال مكتب إدارة العلاقات الخارجية"

بالنسبة لي هو أمر مبهر كيف تتكتم الشركة على فعل كهذا ، بل ولا تفيد في أي تقرير او اعلان لها حول الدوافع و الأسباب ، باستثناء إحالتنا لجهة تمدنا بمعلومات حول العقوبات التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد هذه الدول.
و حتي الآن تتضارب التقارير في الشبكة حول إن كانت الخدمة تحجب خدمة دردشة مسنچر فقط، أم انها تحجب البريد الالكتروني على هوتميل ،بما فيه من رسائل مخزنة. فتتضارب الآراء في هذا الصدد ، و لم استطع ايجاد تعليق من البلدان المعنية بعد.

الحقيقة إغلاق مسنچر ، ليس أمرا جللا ، و لكنه رمز لإلغاء وسيلة اساسية للتواصل بين هذه الدول و العالم، إمعانا في فرض عزلة اقتصادية ، و تتجاوزها لعزلة ثقافية و اجتماعية، و هو ما يقلقني في عالم لم يعد يعرف حدودا لاستخدامات الشبكة على الصعيدين المعرفي و الاجتماعي.
ظهرت مؤخرا حلولا لمستخدمي مسنچر في البلدان المحجوب عنها ، مثل استحدام خدمة ميبو مثلا، أو تغيير اسم و بلد المستخدم ، الذي أراه أمر مهين للغاية.
و هكذا يثبت أن الرهان على المواقع الضخمة التي تقدم خدمات مجانية مثل تلك ،أثبت خسارة فادحة ، و تحولت إلي وسائل ضغط ، و أدوات في معارك بغيضة تخوضها حكومات ما ليتحول المواطن/المستخدم لدمية بين رحي حكومته ، و شركات عملاقة تبذل جهودا اسطورية للامساك بزمام حياته، متحولة لوسيلة ضغط و قمع في يوم ما ، أو في حرب ما. أو على الأقل لعب دور الأخ الأكبر على مدار الساعة.

لذا تثبت مرة زخرى أهمية البرامج مفتوحة المصدر ، التي لا تتحكم بها شركات بعينها، بل يتحكم بها افراد- أو شركات أصغر - و لكن شراكتها ليست حكرا على أحد ، ولا يتحكم فيها أحد
تلك البرامج التي ستعطي المستخدم فرصة أكبر للامساك بزمام حياته سيبريا على الأقل ، فمثلا أنا لا اترك رسائلي معلقة في فراغ بريد چيميل ، و إنما افضل تحميلها اولا بأول على حاسوبي مستخدما ثندربيرد، و هو برنامج يتيح أكبر قدر من الخصوصية و التحكم و مفتوح المصدر. و بالتالي في اي وقت قد يترائى لجوجل انني أو بلدي أو ملتي غير مستحقين لخدماتهم ، ستظل مراسلاتي القديمة على حاسوبي الشخصي. و هكذا.
البرمجيات المفتوحة صنعت لضمان الحريات و التشاركية ، وهي تخضع لمباديء الحريات الأربع:

0- حرية تشغيل البرنامج لأي شخص و لأي هدف .
1- حرية معرفة كيف يعمل هذا البرنامج ، و القدرة على تعديله وفقا لحاجي اي فرد.
2- الحرية في توزيع و تبادل نسخ البرنامج ، و مساعدة الجار.
3- الحرية في اعادة تعديل و تطوير البرنامج ، و من ثم اصدار نسخة منه مغايرة لضمان استفادة المجتمع.

لا أدعي انني شخص تقني و الحقيقة لا أعرف عن الكود و البرمجيات على الاطلاق ، لكنني اعترف انني أجد خلاصا نسبيا من احتكار الشركات لحياتنا بهذا الشكل السافر. ربما في يوم ما تجد الحاسوب لا يفتح في بلدك ، لأن ميكروسوفت ويندوز اغلقت استخدام ويندوز. في المنطقة عند استشعاره بوصلة للانترنت من قبلها. أو ربما نجد برامج أخرى ممنوعة علينا . او تسرب معلومات حول سلوكنا كمستخدمين و ما نفعله على الشبكة.
هناك دوما برامج ذات مصدر مفتوح تعد بديلا رائعا لبرمجيات تنتجها ميكروسوفت و شبيهاتها ، و عادة هذه البرمجيات أكثر فعالية و خفة، و بالطبع هي مجانية و خالية من الاعلانات و الرساذل الالحاحية الغريبة التي ابتكرتها ميكروسوفت.
هناك موقعا للتعرف على أهم البرامج المفتوحة لنظام تشغيل ويندوز ، و نسخته لنظام تشغيل ماك.
أما مستخدمي لينكس فقد استوفو اجرهم ، و هم يعرفون تماما ما يفعلون.


رسالة الحجب كما تظهر في الامارات ، في السعودية لونها أخضر ، وفي قطر
تتغير الوانها حسب المزاج


طبعا تأتي هذه القصة اسبوعا من بعد إعلان حكما ما حول إلغاء الولوج للمواقع الجنسية في مصر، و كأننا فجأة عرفنا سر تأخر البلاد ، إنها صدور و مؤخرات النساء العارية التي تشكل أغلبية الشبكة.
و رغم أن هناك جهات حكومية و تكنوقراطية تعارض الحكم جملة و تفصيلا ، إلا أن الأمر جد مزعج ، ففتح باب الحجب في مصر لن ينتهي ، فنحن شعب ميال للحجب بطبعه. و محب له.
في العموم، أنا قد اتخذت قراري، في اليوم الذي احاول فيه الولوج لموقع جنسي وأجد رسالة سخيفة مثل تلك ، سأتوجه من غدي لسحب اوراق الهجرة. أنا اتحمل كل مساوئ هذا البلد ، إلا ما يتعلق بالجنس.
بالنسبة إلي هو خط أحمر.


خط أحمر!

٠١‏/٠٥‏/٢٠٠٩

غوغائية السلطة


هذان الحدثان مرتبطان في ذهني بشكل عنيف ، ليس فقط لأنهما حدثا لي نفس اليوم ، و لكن لأن كلاهما مثال واضح و غير قابل للجدل حول ما تردت إليه الأوضاع. الحدثان هما قرار ذبح الخنازير صباحا ، ثم إعلان جوائز المهرجان القومي للسينما مساءاً.
فالذي حدث أن استقت وسائل الاعلام المصرية الطريقة السافلة من الترهيب و التخويف التي تقتات منها وسائل الإعلام الأمريكية ، و سادت بفضل بضعة عناوين صحفية حالة من الذعر العشوائي بين العامة خوفا مما أسموه" حمي الخنازير" ، ذلك الفيروس المسمى H1N1 ، الذي لم تثبت اي حالة اصابة به في مصر حتي كتابة هذه السطور ، بل و لم تثبت اي حالة اصابة بين الخنازير في أي مكان في العالم ، بل و الأنكى ، أن هذا الوباء "القاتل" كان حتى هذا الصباح المشرق قد قتل حول العالم كله ما لم يتجاوز أصابع اليدين .. في عالم يقطنه المليارات. وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
بغض النظر عن كوني لا أكترث كثيرا لمسألة أن أموت بالانفلونزا ، أم بسرطان سريع ، أم لأي من الاسباب التي ذكرتها في المدونة قبلا ، إلا أنني أقدر طبعا خوف الناس على حياتهم ، و لكني لا أقدر سياسات التخويف و تغييب الشعوب. و الحقيقة أنني لا أحترم أبدا ما وجده الكثيرون فرصة لتدمير البنية الاقتصادية لآلاف العائلات القبطية ، علي اختلاف طبقاتهم.
ليس جديدا أن هناك نوع من الشماتة في الشارع المسلم تجاه فقدان الكثير من مسيحي البلد لمصدر رزق أساسي لهم، و قد سمعت عشرات التعليقات المتشفية خلال الأيام الماضية، ولا داع لذكرها هنا.
و أيضا.. هذه ليست الأزمة ، فهذا الاحتقان أضحى أمر واقع قد يتطلب أجيال لتغييره ، و لكن أزمتي هي رضوخ الحكومة لمطلب غوغائي مثل : ذبح كل خنازير البلد! فالحكومة بكل اساتذتها، و علمائها، ووزرائها لم تجد غضاضة في احداث خلل رهيب في منظومة اقتصادية و اجتماعية و بيئية في مقابل اسكات صياح نواب المجلس ، و لم يتطرق أحد إلي ان منظمة الصحة نفسها أعلنت انه : لا يوجد أي دليل علي انتقال العدوى من الخنزير للانسان ، و الحقيقة ان كل المصابين التقطوا العدوي عن طريق بشر مثلهم. و لم يكترث أحدا إلى ان يصبح القرار الحكومي مضحكة دولية ، بل و بسبب فعلة مصر ، قررت منظمة الصحة الدولية تغيير اسم المرض، حتي لا يحدث التباس مرة أخرى.
و بالنسبة للتعويضات - التي هي من اموالنا نحن دافعي الضرائب - فإنها فقط ستعطى كمقابل للحيوانات الي سيتم إعدامها (الصغار و العُشُر) و ليس التي سيتم ذبحها ، لانها مسؤولية المربي تصريف اللحوم و بيعها لحسابه ، في الوقت الذي شح فيه ثمنها ، و انعدمت الثلاجات نهائيا للتخزين. و بالتالي ضرب المربين/الزبالين في مقتل.
قال عمرو غربية ضاحكا على تويتر : " بفعالية مصر سوف تقوم ليس فقط
بقتل الخنازير ، بل و البشر أيضا ، اي شيء من أجل وقف انتشار الفيروس"
لا يحتاج الأمر لعالم في الاقتصاد ليدرك فداحة حجم الأزمة على الصعيد الاقتصادي ثم الاجتماعي والديني. فضلا عن البيئي، فقد انعدمت الآن وسيلة تصريف أغلب القمامة العضوية بالبلد.. و لكن الحكومة اثبتت مرة أخري أنها أكثر غوغائية من الشعب ، و قررت أن تتفرد بقرار لم تتخذه أي حكومة أخري في العالم ، بما فيهم الدول التي مات فيها مواطنين.

نشرت المصري اليوم صورة من المجلس
لأحد نواب الإخوان يرتدي كماكمة ، حفظه الله و ابعد عنه المرض



و بالتالي ، و بنظرة بسيطة ، نستنتج أن السلطة بكل مؤسساستها لا تختلف غوغائية عن بواب العمارة التي أقطنها، و هو بالكاد يستطيع القراءة، الذي قال منذ اول يوم للأزمة رافعا اصبعه : "لازمن يا بيه يدبحوا الخنازير استغفر الله العظيم، هي معروفة انها بتجيب أمراض."

ثم على صعيد آخر ، أعلنت نتائج المهرجان القومي للسينما ، و الملفت أن الجوائز هي المعادل الحقيقي لإيرادات شباك التذاكر ، و للعام التالي تتكرر هذه النتيجة ، فالأفلام الني حصدت الجوائز، هي الأفلام التي باعت أكبر كم من التذاكر و عرضت أغانيها و دعاياتها بشكل متواصل علي القنوات ، و يغيب عن الجوائز أي افلام ذات خصوصية او منحي مغاير عرضت خلال ٢٠٠٨.
و هنا تتبين الكارثة ، ففي العام الماضي كان أحمد السقا هو افضل ممثل في مصر ، و العام الحالي أحمد حلمي ، و ربما في العام القادم يأتي كريم عبد العزيز أو محمد هنيدي ، في مهرجان تنظمه وزارة الثقافة ، و يرعاه مستنيري مصر.

و هكذا يبدو التلاحم ما بين الشارع و السلطة ، فكلاهما يسيره نفس التيار ، و تحركه نفس المعايير.
و هكذا تتبدى لنا ، أنها حقا : نهاية الحضارة.


٢٢‏/٠٤‏/٢٠٠٩

جوائـــز، في صباح رديء

لا أقرأ الصحف ، و لا أشتريها، أبتعد قدرما استطيع عما يجري على صفحاتها، علي الأقل سياسيا.
لكن لا يخلو الأمر أن يراسلني صديق أو آخر برابط لخبر في صحيفة مصرية لا يندرج تحت أي مسمى سوى "نهاية الحضارة" ، و أظنه كان قاسيا على - كما على آخرين - أيضا أن أصحو في يوم واحد على أخبار من نوعية أن أعضاء الاخوان البواسل يقدمون قانونا ضد الردة للمجلس ، و كأن كل نائب منهم قد ارتاح لأن الشعب يحظى بتعليم جيد، و مستشفيات مؤهلة، و مواصلات غير مهينة ، و فرص عمل مواتية ، و لم يعد هناك أي مكدر لصفو البلاد سوى بضعة عشرات اختاروا دينا جديدا.
أو أن أصحو على خبر محامية مصرية تدعو رجال الأمة العربية للتحرش بالنساء الاسرائيليات، و كأن الأخلاق و احترام القيمة هي حكر على أمة أو عرق أو دين بعينه، أو كأن التحرش نقيصة لأنه ينتهك المرأة العربية فقط، و كأن العرب قد عدموا كل فرص الكسب في وجه عدوهم الصهيوني ، فلجؤوا لأعضائهم التناسلية المشرئبة ، و كأن القانون أصلا - و هي محامية أكرر - يفرق في حكمه وفقا لجنس و ديانة المجني عليه/ها. و كأننا جميعا لا نأسى من تعامل الغرب مع كل عربي و كأنه ارهابي مفخخ ، و لكنها لا تجد غضاضة في التعامل مع اي اسرائيلية و كأنها قطعة لحم للتحرش.
أو أن أصحوا أيضا على خبر تقديم بلاغ ضد البهائيين ، لارتكابهم لجرم فاضح ، و هو احتفالهم بعيدهم في حديقة المريلاند ، التي هي مكان عام ، ولا يجوز للمواطن المصري الشريف بينما يعود المنتزه العتيق ، أن تقع عيناه الكريمة على هذه الطائفة ، تشرب القهوة و تتسامر ، لأن ذلك بلا شك سيضعف من عزيمته ، و يرميه فريسة للشك. و أعلن المحامي أنهم "مرتدين و عقوبتهم القتل" ، و لن أطيل في تعليقات القراء على الخبر ، بل و حتي رأي الصحيفة نفسها حيث أشارت إلى المتحدثة باسم البهائيين قائلة: " ومحاولة منها اصطناع جريمة منه ضدها بالادعاء بارتكاب جريمة والتحريض على قتلتها محاولة منها فى جلب اهتمام وتأييد جمعيات حقوق الإنسان المشبوهة" .
و في نفس ذات اليوم ، تفرج الحكومة عن ثلاثة مواطنين أثاروا ذعرا و هلعا كبيرا.. فقد قاموا برش لوحات جرافيتي على الشوارع لم يفهم لها أحد مغزى ، حتى ذهب الكثيرين إلي اعتبارها من أعمال جماعات الإيمو ، ليس لأي سبب سوى لأنهم "جماعة" لم يفهم لهم أحد مغزى ايضا.
قلت : إنها نهاية الحضارة.
في ظل هذه المآسي لم أستطع إلى التركيز في العمل سبيلا، لذا قررت العودة لرابط كنت قد احتفظت به في del.icio.us، و كان رابطا لجوائز صالون مركز تحديث الفنون لعامنا ٢٠٠٩، و هو مركز أمريكي هام للفنون التشكيلية ، يضم على موقعه الرقمي مكتبة ضخمة لأعمال جميع الفنانين في جودة عالية ، فضلا عن تقديمه لمنح دراسية للفنون التشكيلية بالولايات المتحدة - لمن يهتم هنا الرابط - و لكن الاهم هو اقامته لصالونه السنوي الدولي للفنون التشكيلية في عدة أقسام. و قد أعلن عن الفائزين مؤخرا في دورته الخامسة.
و رغم أن الجوائز في رأيي ميالة للرؤية التقليدية للفن التشكيلي في العموم ، إلا أنني لا أنكر ان العديد من الفائزين و المكرمين - بل و حتي المرشحين وقد خانهم الحظ - قد خلبت اعمالهم عقلي، و أظن ان الجوائز النهائية هضمت حق البعض ، إلا أنها تستحق المتابعة بأقسامها الغزيرة.
لن أخوض أكثر ، و سأضع بعضا من الأعمال المختارة وفقا لذوقي الشخصي ، و ليس وفقا للجوائز ، أضع اسماء الفنانين و الأعمال بالانجليزية لتسهيل مطالعة أعمالهم علي الشبكة.
(يمكن المشاهدة بكفاءة أعلى كثيرا عن طريق موقعهم)




Hiroshi Furuyoshi
Julien
زيت
جائزة أفضل الأعمال
© All images are under strict copyright to the artist and may not be reproduced in any form
©حقوق جميع الأعمال تعود للفنانين ، و يُحظر اعادة انتاجها وفقا للمركز


Duffy Sheridan
"Head Study" - Marieke with Rose
زيت
أحد الفائزين بجائزة اختيار الإدارة


Max Ginsburg
Tire Swing
زيت
أحد الفائزين بجائزة اختيار الإدارة


Salvador Jose Villagran Jr.
Past Present Future
زيت
المركز الثالث - قسم الأشخاص



Aaron Wiesenfeld
Suspended
فحم
من المرشحين النهائيين في قسم الرسم


Terry Strickland
Shahrazad Illuminated
زيت
أحد الفائزين بجائزة المركز الخاصة


Ron Cheek
Vanity-Vanity
زيت
من الفائزين بجائزة تقديرية بقسم الأشخاص



Ananta Mandal
Smoking Morning
الوان مائية
من الفائزين بجائزة تقديرية بقسم المناظر العامة


Andrea Mosley
Daniele
زيت
من الفائزين بجائزة تقديرية بقسم الأشخاص

Marina Dieul
Somme
فحم
من الفائزين بجائزة تقديرية بقسم الرسم



Shawn Zents
An Arrangement of Flowers
زيت
من المرشحين النهائيين في قسم الأشخاص


Yuri Diatlov
A Girl
الوان مائية
من الفائزين بجائزة تقديرية بقسم الرسم



Terry Strickland
Plan of Attack
زيت
من المرشحين النهائيين في قسم الأشخاص

Max Ginsburg
The Discussion
زيت
من المرشحين النهائيين في قسم الأشخاص


Star Galler
Lady in Waiting
فحم
من المرشحين النهائيين في قسم الرسم





Jonathan Queen
First View of Florence
زيت
من المرشحين النهائيين في قسم الطبيعة الصامتة
©All images are under strict copyright to the artist and may not be reproduced in any form.
© حقوق جميع الأعمال تعود للفنانين ، و يُحظر اعادة انتاجها وفقا للمركز
المصدر : source : www.artrenewal.org


رغم الوقت و الجهد الذي بذلته في تحميل اللوحات و نقلها و إعادة رفعها مع أسماء الفنانين ، إلا أنني فعليا لست نادما على هذا الوقت بتاتا، فالحقيقة قد كان فرصة جيدة لتطهير الأعين و العقل من هذا الهراء الصباحي التي يضخه علينا ضعاف العقول ، بشكل يومي ، و متصل ، و دؤوب..

يمكنني الآن العوده للعمل بقلب مستريح لبضعة ساعات.


١٢‏/٠٤‏/٢٠٠٩

من المُطلق

هو حطام بيت قديم .
ليس أكثر من ذلك ، كنت أفكر و أنا واقف على هذه الشرفة الواسعة ، ذلك السطح المترامي في وسط المدينة ، التي كانت يوما بيتا لأشخاص ما ، طمس التاريخ اسمائهم.
كنا نتحرك على ارضهم الخشبية ، ينفث صديقي الدخان في مكان كان يوما ممرا بين غرفهم ، ندردش في مربع كانوا يوما يجلسون فيه في الشتاء أمام مدفئتهم ، ليسمعون للراديو ، او ليقرؤن ، أو ربما ليمارسا حبا بطيئا في أكثر مكان حميمية لقلبي الزوجين صاحبا الدار. أو هكذا أتخيل.

كانت مدفئة لهما في شتاء قديم ما، و كانت هذه غرفة للمعيشة

بينما كنا نسير ، كان صديقي يتحدث في محموله ، و اطفأ سيجارته على الارض ، فكرت في ربة البيت ، قلت : أظنها كانت تدخن ، لدي شعور بذلك.
تحولت سيرا لأقف فيما كان يشبه الشرفة ، أو ما تبقي منها ، انظر للمدينة المترامية الأطراف أمامي ، آلاف اللواقط التليفزيونية ، كلا ، انها ملايين و ليست آلاف. تبدو غريبة جدا ، قلت له أن يعطيني سيجارة ، ففعل مستغربا.
سار بعيدا يتفقد شيئا و تركني ، حاولت الفكاك من النوستالچيا و لكن لم استطع ، كان أهل البيت في كل مكان هنا، أراهم ، أدرك كم أحبا المكان ، و أدرك كم أحبا بعضهما جدا لوقت طويل ، هو أمر استشعره تماما هنا .. هذان اللذان لا أعرف لهما إسما أو تاريخا أو ملة .
قلت في نفسي : الآن ، في هذا الهدوء ، لقد واراهما تراب مقبرة ما ، في القاهرة أو في بلد متوسطي آخر ، ربما امريكا او كندا ، ربما لازال أحدهما حيا يحن لبيته هنا يوما.. و لكن الزمان أتى و عصف بكل تفاصيلهما ، كل الأشياء التي حدثت ، كل صغائر الأمور ، تلك التي ظناها هامة و حاسمة لمصائرهم ، تلك الأزمات التي بكياها في ليال موجعة ، تلك الغصات الموجعة في الحلوق لأسباب عابرة ذوت الآن ، و لم يعد لها وجود.
كل قبلة اختلست هنا في هذا المطبخ ، كل مرة عاد رب البيت من الخارج و - ربما - كذب علي زوجته بشأن أمر ما ، كل لحظة خانها بجسده او بفكرة حمقاء -او جميلة- امتلكها ، كل مرة خانته ، كل مرة قال كاذبا أن الطعام جيد ، كل مرة تشاجرا لأنه لم يستمع لها جيدا ، كل مرة تضاجعا علي هذا المقعد ، او فعلاها فور دخولهما من هذا الباب للبيت و من دون أن ينطقا بكلمة ، أو ربما في هذا الحمام الذي لا زالت الوان القيشاني هي أكثر مربعات الشارع كله بهجة، كل هذه الأشياء رحلت الآن ، اصبحت نسيا منسيا ، تفاصيل صغيرة ، مرت بين السنوات العابرة ، و بقي ما يثير الخيال لذكراها.


جزء من حائط الحمام لازال قائما

هذان اللذان كانا هاهنا يوما ، مرت حياتهما عليهما فقط ، لم تمر علي الآخرين ، مرت في داخلهما ، و سرت بين حوائط هذا البيت ،و لكن لم يستمر البيت كما أرى ، و لا أعرف عن الحب ..
لا أعرف إن كانا قد كرها بعضهما في النهايات ، أو ربما كرها بعضهما في البدايات ، لا أعرف هل أختارت هي ورق الحائط و لون الستائر أم اختارهما لها ، لا أعرف إن كانت شاركته حياتها حقا و لا أعرف إن كان قد شاركها حياته أيضا ، فأنا لا أعرف شيئا ، لا أعرف البيت الغريب ، ولا أصحابه الغرباء ، قالوا لي زوجان يونانيان ، قالوا لي اسرة قبطية ، و قالوا لي امرأه كانت عجوزا في أواخر الثمانينات ، و جُهل خبر زوجها .

ورق حائط غرفة المعيشة ، الذي طالما حافظا عليه

نعم ، لا أعرف الكثير ، كل ما اعرفه أن احداثهم التي مرت مؤلمة يوما ، هي الآن محض كلام عابر على مدونة لا يقرؤها الكثيرون ، و مدون يضرب بالغيب عن حياتهما منمقا كلماته قليلا.
و لكن ما أعرفه أكيدا ، أن هناك روحا ما في هذا الحطام مرتبطة بحب ذهب بلا رجعة ، مرتبطة بسعادة ما باغتت قلبا زوجين ، و ربما عبرا عنها بلغة لا اتحدثها من الأساس. أعرف أكيدا ان التفاصيل الأخرى قد تلاشت في عباب المدينة ، و لم يتبقى سوى ما يجب أن يتبقى : روح محملة حبا ، كنوع من المُطلقات.
أدرك في هذا المكان أنهما كانت لديهما فرصة يوما أن يتحابا .
و أحب أن أتخيل أنهما لم يضيعاها ...



٣١‏/٠٣‏/٢٠٠٩

ثلاث روايات مصورة ، لا تضيع الوقت

كلما اعترى الأيام فتورها المعتاد ، أجد نفسي أقرأ روايات مصورة ، فهناك شيء ما بصددها يجعلها غير قابلة للمقاومة ، تتابع الصور و النصوص يشكل لي اثارة لاحدود لها، و بالكاد أذكر انني تركت إحداها في المنتصف ، مهما كانت رديئة ، و الحقيقة الكثير منها رديء في تصوري ، و إن كان يحصل على شهرة واسعة.
لفظة "رواية مصورة" Graphic Novel ، هي لفظة مستحدثة ، و الكثير من كتاب و رسامين الكوميكس يرفضون المسمى تماما ، و لكن بعض الروايات المصورة طبقت شهرتها الآفاق مثل :WATCHMEN تلك التي أظنها تستحق كل التقدير.
يقول ألان مور مؤلف WATCHMEN ، و القاص الكلاسيكي : "تلك لفظة تسويقية لم اتعاطف معها أبدا ، المصطلح "كوميكس" أجده الأفضل بالنسبة لي ، الأزمة أن كلمة " Graphic Novel" أضحت تعني كوميكس غالية السعر، لذا فستجد أمثال "دي سي كوميكس" ، أو "مارڤل كوميكس" من مؤسسات يقومون بلصق أية ستة أعداد من أي هراء عديم القيمة تصادف أنهم قد نشروه ، ثم يضعون له غلافا لامعا ، و يطلقون عليها اسم (شي - هلك ، رواية مصورة)..."
بغض النظر عن المسمى ، إلا أنني قد قرأت الكثير خلال الاسبوعين الماضيين ، سواء في صورة كتب احتفظ بها ، أو في صورة رقمية محملة من الانترنت و مقرصنة في الغالب للأسف.
و قد وجدت ثلاثة روايات و اعتبرتهم بمثابة أحداث لا يمكن التغاضي عنها بسهولة سأختصر الحديث عنهم هنا:



- كبرياء بغداد -



كبرياء بغداد ، الحقيقة أعترف أنها لم تعجبني كثيرا رغم الجوائز، لكني أراها رواية مصورة مهمة ، و ذكية (أحيانا) ، هي انتاج عام ٢٠٠٦ ، كُتب في مفتتحها أنها بنيت حول حدث واقعي صار اثناء دخول الامريكان لبغداد ، قفد روى خبر صغير يوما أن القوات الأمريكية قامت باطلاق الرصاص على أربعة من الأسود الذين هربوا من حديقة الحيوان أثناء قصف بغداد ، الرواية تتصور يوم الهروب لهؤلاء الأسود ، و ما تعرضوا له حتى تم اطلاق الرصاص عليهم .
القصة بكاملها - ١٣٠ صفحة - لا يظهر فيها أي من بني البشر ، فقط نسمع تعليقاتهم او حديثهم على خلفية قصة الحيوانات المتكلمة ، الذين لا يعرفونهم كثيرا و يطلقون عليهم "الحراس" بدلا من بني البشر، و هذا أمر أظنه قد يستفز البعض ، خاصة أن لكل الحيوانات في القصة أسماء عربية مثل علي ، صفا ، و رشيد ،أنا لا أكترث ، ولكن ما ضايقني حقا هو التصوير المباشر لوضع الطوائف المتناحرة عن طريق عكسه على واقع الحديقة ثم المدينة/الغابة التي تجد الحيوانات نفسها فيها بعد تحررها ، و كيف لا يستطيعون غض الطرف عن علاقة الكره الموروثة بين الفصائل كالاسود و الغزلان و القردة . و لكن تم التعاطي مع فكرة "التحرير" بذكاء شديد ، و استحضارها للمساءلة طوال النص.


السرد بالقصة يدور بشكل تقليدي جدا ، و يستمر بشكل خَطي مع الأحداث ، و بالكاد ما نجد حدثا موازيا ، او استحضار لفكرة او تخيل ما ، باستثناء بعض مشاهد التذكر النمطية المعتادة ، و لكن ظل إيقاعها متسارع ، و حوارها متزن غير مستزاد.
الرواية تبدو مرسومة و ملونة رقميا ، كشأن الكثير من قصص الحركة في هذا العصر ، أظنه من الأفضل للمراهق قراءة رواية مصورة قريبة للألوان التي اعتادها في العاب الڤيديو و ما عداها ، و لكن هذا لا يمنع أن لهذه المدرسة باع في تطوير الكوميكس بشكل رهيب.




- وداعا شنكي رايس -



كنت قد كتبت من قبل عن كريج طومسون ، مؤلف الرواية المصورة البديعة Blankets ، و هذه الرواية Goodbye Chunky Rice ، هي العمل السابق لها.
القصة أعتبرها واحدة من افضل الروايات المصورة التي قرأتها قاطبة ، فهي تتمحور حول السلحفاة (شنكي) الذي يترك صديقه الفأر (الذي يظهر كحبيب أو عشيق أحيانا) ، ليودع إياه منطلقا لاستكشاف العالم . و الغريب أنه بالرغم من كونها أول أعمال المؤلف إلا أنها أكثر أعماله حداثة و خروج عن المألوف في اشكال الحكي و ربما في الرسم أيضا عن تاليتها.
تنتشر في القصة شخصيات عدة ، كلها مشوهة أو منقوصة بشكل ما ، و شديدة التوحد ، و كعادة مؤلفي الكوميكس النبلاء ، لم يخجل كريج من رسم شخصيات و أفكار قد يظنها المجتمع منفرة كثيرا. فمثلا واحدة من الشخصيات المحورية هما توأمتان ملتصقتان على سطح المركب ، و يتشاركان الرئة و الذراعان و جزء من الرأس ، و لكنهما لا تجِدا إجابة لسؤال شنكي : هل يمكن لأي منكن النفاذ إلى حلم الأخرى؟


أظن المؤلف قد قام بأشكال حكي و رسم غاية في الذكاء و الألمعية ، خاصة أن القصة تسري بين عدة محاور في المكان و الزمان ، فضلا عن تعدد الشخصيات حتى تصبحا السلحفاة و الفأر شخصيات شبه هامشية أحيانا.
و كانت الصفحة الواحدة في الكتاب بمثابة عالم كامل من التفاصيل و الصور و المربعات التي تروي القصة بشكل يبدو عفويا لأقصى درجة ، و أحيانا كان يستخدم التقطيع الكلاسيكي لمربعات الكوميكس كأداة جمالية و ليس أكثر ، و كأنه يرفض التعامل مع كل مربع كوحدة خاصة كما درج الرسامون و اعتادوا.


مؤلف شنكي رايس وراسمها في نفس الوقت ليس له سوى هذان المؤلفان ، و أستغرب تفرده و خصوصية أعماله بالمقارنة بآخرين ، و بالذات مع اعتبار نشأته المحافظة في قريته الصغيرة بالجنوب الأمريكي شديد التدين ، و كيف كان حبه للرسم مثار حنق الأهل و نفور الجيران ، و كيف واجه مخاوفه كلها ليقوم أخيرا بما يحب ، هذه الأجواء رصدها بشفافية في روايته الثانية ، و الحقيقة دوما ما ظننت أن ما عاناه طفلا و شابا في قريته قريب جدا لما يعانيه اي مراهق يهوى الفن في مصر ، فالعالمان يكادا ينطبقان باستثناء التفاصيل الصغيرة ، مثل الدين و الثلوج التي كست الرواية.




- سينما پنوبتكوم -


هذا المؤلف توماس أوت هو حدث خاص ، فالرسام الألماني أبى على نفسه إلا أن تصبح كل أعماله صامتة ، معدومة الحوار ، بلا أي كلمة أو تعليق ، فهو يرسم تتابع من الصور تحكي الحدث بسلاسة مذهلة ، و الأفضل أن كل أعماله تدور في أجواء صادمة سوداوية مما يلائمني تماما.
المضحك ، أن الرسام الألماني و إن ذاع صيته في أوروبا إلا أن أعماله لم تدخل الولايات المتحدة إلا مؤخرا ، على الرغم من عدم وجود مشكلة في اللغة ، لأن النص يعتمد على الصورة فقط ، إلا أنه فيما يبدو فإن المتلقي الأمريكي كان يجد ضيقا ما في متابعة نوع من الكوميكس يختلف عما ألفه طوال تاريخه.
يستخدم أسلوبا من التهشير و الشخبطة لرسم المساحات ، مما يجعل الصورة قريبة لشكل الطباعة الخشبية لكتب العصور الوسطى الأوروبية في رأيي ، و هذا يضفي جوا غيبيا قاتما علي القصص ، و ربما يختزا أحيانا عنصر العصر مما يروي ، فبينما أقرأ ٠ ان جاز التعبير - أشعر أحيانا ان الرواية تدور في بدايات القرن العشرين ، و أحيانا في أربعيناته ، و أحيانا في المستقبل ، كل وفقا للحالة المنبعثة من طريقة الرسم تلك.




دوما ما وجدت كتابة تقارير عن الأفلام و الكتب و الموسيقى أمر شديد الصلف و التعالي ، و لا أحبه بكل مسمياته ، نقدا كان أم تذوقا أم تحليلا ، فالكل بالنسبة لي أمر لا داعي له ، خاصة مع تفرد أذواقنا و اختلاف درجة تلقينا لغالب هذه الفنون و حبنا أو كرهنا لما نشاهد.
و ربما كتبت ما سبق لأتشارك مع الآخرين ما قرأت.
شكرا خاصا لـ "ر" التي تشاطرني هواية لا يشاركني الكثير فيها.


للتحميل و إلقاء نظرة - صيغة سي.بي.آر : (كبرياء بغداد ، وداعا شنكي رايس ، سينما بنوبتكوم )




المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO