واقف أنظر من الشرفة ، أتأمل حديقة ذلك المنزل الهاديء العتيق ، أشرب شايا ، و تتقلب أفكاري .... كان الحي ساكنا ، و أسمع حفيف شجرة مانجو عملاقة ، يبدواأنها من عمر هذا الحي ، أو هذا المنزل ذو الثلاثة طوابق.
كانت تقوم بشيء ما بالداخل ، اقتربت و سألتني : سرحان في إيه...
و لما كان هذا السؤال يثير حفيظتي ، و يربكني دائما منذ كنت صغيرا ، فإنني أخيرا وجدت الحل ، أن أجيب باستفاضة عما يجري في خبايا عقلي ، داريا بأن خير عقاب للسائل هو أن يتعرض مباشرة لذلك، و لأجعله يدور دورة منهن ، فربما يكف عن السؤال ...
و رغم أنها تكبرني بأعوام ، إلا أنها صديقة جميلة ، فقررت ألاّ أضايقها ، و لن أطلعها سوى على أول دائرة فقط من ترهات عقلي ، قلت: بافكر في ليلى مراد ، كانت ساكنة في البلكونة اللي هناك دي ، يمكن زي ما أنا ما واقف هنا ، هي كانت من سنين واقفه هناك و بتفكر ، يمكن في أغنية ، يمكن في حد بتحبه ، يمكن في تغير ديانتها و لاّ لأ ، و أكيد كانت بتشوف نفس الشجرة دي.
سَكَتَتْ ..
و قالت فجأة : آه يعني ما بتفكرش في الفيل؟
قلت: فيل؟
فحكت لي حكاية ... و ياللمصادفة ..
فقد كانت اعتادت أن تأتي من مكان بعيد مع أبيها الطبيب المشهور طفلة منذ سنوات بعيدة إلى نفس هذا المبنى الذي كنت أتأمله ، ليس لأي سبب سوى لتلعب مع الفيل ، فقد كان أحد سكان هذا المبنى المجاور - و هو صديق لأبيها - قد حصل على فيل صغير في الستينات ، و أدخله لحديقة البناية ، و جعل له خدما ، و أطباء، إلى أن كبر الفيل ، و أضحى من الصعب إخراجه من حديقة البناية الخلفية حيث عاش لسنوات ، نظرا لأن الممر الذي أدخلوه منه صغيرا و لم يعد يتسع كفاية لإخراجه الآن.
و حدث في الثمانينات أن مرض الرجل صاحب الفيل مرضا عضالا ، و أوشك على لقاء وجه كريم ، فأوصى الناس بالفيل ، و مضى ..
فما كان من أهل الرجل إلا أن استأجروا ونشا لرفع الفيل في كبد السماء ، و تخطي السور به ، ووضعه في شاحنة ضخمة اضطروا أن يخلوا الشارع الصغير لكي تمر ، و حمل الفيل إلى غير رجعة. إلى مكان بعيد مجهول.
....
سَكَتَتْ ، قالت أنها لم تشهد نقله، و لكن هكذا حُكِي لها ...
سَكَتَتْ مرة أخرى... كانت (ل) تتابع القصة ، و هي تنظر إلي بدهشة ، و أعلم لماذا ، فقد كانت هي الوحيدة التي كنت حكيت لها عن صوت الفيل الذي أزعجني في هذا المكان منذ بضعة أيام ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت أشاهد فيلما في مهرجان السينما ، و كان أن قابلت عددا من أكابر السينمائيين و بضع نجوم أعرفهم عن طريق عملي ، فحدث أن جلسنا متجاورين في الصالة نتابع الفيلم الذي أحدث بعض المهاترات عند انتهائه ، و أخذ كل من الجالسين حولي في شحذ أسنانه ، مستعدا لأن يدلي بدلوه ، أو لأن يسكت و يستمع للآخرين متظاهرا بالحكمة ، أشفقت على مخرج الفيلم ، قررت الانسحاب ، و بينما أنا اتحرك ، إذا بفتاة صغيرة لا تتجاوز السابعة عشرة ، تقترب مني ، و تسلم علي بحرارة ، و لم تكتفي بذلك ، بل و احتضنتني بحرارة أكبر ... لا أعرفها ! قلت في نفسي لعلها أخطأت في الشخص ، سأحاول التصرف بلباقة ، فقالت لي: أحمد ... انت مش فاكرني؟!
سحقا ، انها تعرفني ، و أنا لا أذكرها..
....
اعتذرت أنني لا أعرف .. و أنني لم أنم منذ يومين ، و كل هذا الهراء.
فأخبرتني أنني كنت قد شاركت في ورشة عن صناعة الفيلم للأطفال منذ ٧ سنوات في الصعيد ، و هي قد كانت من ضمن الحضور من الأطفال ، و ها هي قد كبرت ، و أحبت السينما من حينها ، و هي الآن طالبة في معهد السينما... و في نفس تخصصي ..
شعرت أنني كبرت ، أو أنني فعلت شيئا كبيرا و لو لمرة ...
انعقد لساني ، و كانت الفتاة متحمسة لتعرف كل شيء عني ، و ماذا أفعل الآن ، و مع من أتيت، و لماذا أرتدي السواد ، و رأيي في الفيلم ... و الكثير و الكثير...
انعقد لساني ..
لم أستطع الحديث من تضارب ما شعرت به.
قالت كلمات قليلة عن الفيلم ، و كان رأيها أكثر ما سمعته صوابا و قربا للمنطق ، و تبنيت هذا الرأي من حينها ... رأي الفتاة الصغيرة الصعيدية.
سلمت الفتاة ، و غادرت القاعة ..
تعجبت من نفسي ، كيف أمكنني التعامل لساعات مع نجوم و نجمات السينما ، و مخرجين ، مديري تصوير متمرسين ...
و انعقد لساني أمام فتاتي هذه..
......
ياللأشياء الصغيرة ، ألن تكف ؟
كانت تقوم بشيء ما بالداخل ، اقتربت و سألتني : سرحان في إيه...
و لما كان هذا السؤال يثير حفيظتي ، و يربكني دائما منذ كنت صغيرا ، فإنني أخيرا وجدت الحل ، أن أجيب باستفاضة عما يجري في خبايا عقلي ، داريا بأن خير عقاب للسائل هو أن يتعرض مباشرة لذلك، و لأجعله يدور دورة منهن ، فربما يكف عن السؤال ...
و رغم أنها تكبرني بأعوام ، إلا أنها صديقة جميلة ، فقررت ألاّ أضايقها ، و لن أطلعها سوى على أول دائرة فقط من ترهات عقلي ، قلت: بافكر في ليلى مراد ، كانت ساكنة في البلكونة اللي هناك دي ، يمكن زي ما أنا ما واقف هنا ، هي كانت من سنين واقفه هناك و بتفكر ، يمكن في أغنية ، يمكن في حد بتحبه ، يمكن في تغير ديانتها و لاّ لأ ، و أكيد كانت بتشوف نفس الشجرة دي.
سَكَتَتْ ..
و قالت فجأة : آه يعني ما بتفكرش في الفيل؟
قلت: فيل؟
فحكت لي حكاية ... و ياللمصادفة ..
فقد كانت اعتادت أن تأتي من مكان بعيد مع أبيها الطبيب المشهور طفلة منذ سنوات بعيدة إلى نفس هذا المبنى الذي كنت أتأمله ، ليس لأي سبب سوى لتلعب مع الفيل ، فقد كان أحد سكان هذا المبنى المجاور - و هو صديق لأبيها - قد حصل على فيل صغير في الستينات ، و أدخله لحديقة البناية ، و جعل له خدما ، و أطباء، إلى أن كبر الفيل ، و أضحى من الصعب إخراجه من حديقة البناية الخلفية حيث عاش لسنوات ، نظرا لأن الممر الذي أدخلوه منه صغيرا و لم يعد يتسع كفاية لإخراجه الآن.
و حدث في الثمانينات أن مرض الرجل صاحب الفيل مرضا عضالا ، و أوشك على لقاء وجه كريم ، فأوصى الناس بالفيل ، و مضى ..
فما كان من أهل الرجل إلا أن استأجروا ونشا لرفع الفيل في كبد السماء ، و تخطي السور به ، ووضعه في شاحنة ضخمة اضطروا أن يخلوا الشارع الصغير لكي تمر ، و حمل الفيل إلى غير رجعة. إلى مكان بعيد مجهول.
....
سَكَتَتْ ، قالت أنها لم تشهد نقله، و لكن هكذا حُكِي لها ...
سَكَتَتْ مرة أخرى... كانت (ل) تتابع القصة ، و هي تنظر إلي بدهشة ، و أعلم لماذا ، فقد كانت هي الوحيدة التي كنت حكيت لها عن صوت الفيل الذي أزعجني في هذا المكان منذ بضعة أيام ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كنت أشاهد فيلما في مهرجان السينما ، و كان أن قابلت عددا من أكابر السينمائيين و بضع نجوم أعرفهم عن طريق عملي ، فحدث أن جلسنا متجاورين في الصالة نتابع الفيلم الذي أحدث بعض المهاترات عند انتهائه ، و أخذ كل من الجالسين حولي في شحذ أسنانه ، مستعدا لأن يدلي بدلوه ، أو لأن يسكت و يستمع للآخرين متظاهرا بالحكمة ، أشفقت على مخرج الفيلم ، قررت الانسحاب ، و بينما أنا اتحرك ، إذا بفتاة صغيرة لا تتجاوز السابعة عشرة ، تقترب مني ، و تسلم علي بحرارة ، و لم تكتفي بذلك ، بل و احتضنتني بحرارة أكبر ... لا أعرفها ! قلت في نفسي لعلها أخطأت في الشخص ، سأحاول التصرف بلباقة ، فقالت لي: أحمد ... انت مش فاكرني؟!
سحقا ، انها تعرفني ، و أنا لا أذكرها..
....
اعتذرت أنني لا أعرف .. و أنني لم أنم منذ يومين ، و كل هذا الهراء.
فأخبرتني أنني كنت قد شاركت في ورشة عن صناعة الفيلم للأطفال منذ ٧ سنوات في الصعيد ، و هي قد كانت من ضمن الحضور من الأطفال ، و ها هي قد كبرت ، و أحبت السينما من حينها ، و هي الآن طالبة في معهد السينما... و في نفس تخصصي ..
شعرت أنني كبرت ، أو أنني فعلت شيئا كبيرا و لو لمرة ...
انعقد لساني ، و كانت الفتاة متحمسة لتعرف كل شيء عني ، و ماذا أفعل الآن ، و مع من أتيت، و لماذا أرتدي السواد ، و رأيي في الفيلم ... و الكثير و الكثير...
انعقد لساني ..
لم أستطع الحديث من تضارب ما شعرت به.
قالت كلمات قليلة عن الفيلم ، و كان رأيها أكثر ما سمعته صوابا و قربا للمنطق ، و تبنيت هذا الرأي من حينها ... رأي الفتاة الصغيرة الصعيدية.
سلمت الفتاة ، و غادرت القاعة ..
تعجبت من نفسي ، كيف أمكنني التعامل لساعات مع نجوم و نجمات السينما ، و مخرجين ، مديري تصوير متمرسين ...
و انعقد لساني أمام فتاتي هذه..
......
ياللأشياء الصغيرة ، ألن تكف ؟
حلو قوي قوي قوي .. آدي التدوين و لا بلاش
ردحذفجميل يا أحمد
ردحذفالحاجات الصغيرة دي هي أفضل ما يحدث أحيانا
سؤال:
هل ينفع حد يبقى مخرج بعد ما قضّى عشرين سنة من عمره في أي مجال تاني !
أحمد..
ردحذفالزمن هو المادة التي أنا مصنوع منها
والزمن نهر يجرفني، لكنني أنا . . . النهر
وهو نمر يفتك بي، لكنني أنا . . . النمر
وهو نار تحرقني، لكنني أنا . . . النار
والعالم لسوء الحظ . . .واقعي
وأنا لسوء الحظ . . . بورخيس"
. . . . . .
يا لأقدار بورخيس
سماعك صوت الفيل أكثر الاجزاء صدقا في الحكاية. وحكاية الفيل أكثر غرائبية من ليلي مراد ووقفتها بالبلكونة تصطاد الحيرة بعدما أصبح والدها الفنان الكبير زكي مردخاي من مجاذيب الحسين في أواخر أيامه.
والعقاب قد يكون ثوابا للسائل وأيابا للمجيب ونزهة للقارىء والمستمع للحكايا.
وهكذا الحياة .. بنايات صغيرة من نسيج حي تنمو علي السطح الملامس للواقع لتجعله أجمل أو أبهي مع قليلا من الحزن النبيل.
ثم تأتي الفتاة الصغيرة لتصنع إطارا يليق بالصورة خارج حدود المألوف .. والمسرة لك.
هذه كتابة جميلة وسرد أجمل ورصد للعلائق.
تحياتي
ياه يا احمد حلوه اوى اوى
ردحذفبجد عشت جو اسطورى جدا
وحلوه اوى تفصيله البنت الصعيديه
اخيرا هو الفيلم ده اكيد بتاع امير رمسيس
اتمنى بجد اقابلك قريب
العزيز أحمد
ردحذفبرغم كل شىء أؤمن بالنهايات السعيدة
تدوينة مرتبطة حزناً وجمالاً بالتدوينة السابقة.بالمناسبة أنتهيت من ترجمة التدوينة السابقة سأرسلها لك بالطبع هى ليست على نفس مستوى الاصال فأنا لست دارس لعلم الترجمة .
تحياتى أيها الصديق العزيز
هيثم
ردحذفالكلمات لها طعم آخر حينما تأتي من مدون أكن له إعجابا خاصا ، و احترام دفين
جزيل الشكر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمود عزت
قرأت ديوانكم بالصدفة الأسبوع الماضي ، أعجبني كثير مما سطرتم فيه ، تهانيّ ، و تحياتي
الإجابة:
أكيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطبيب
حتى نلتقي ، فليظل الزمن حائلا ، و مرآة تمتد بعرض أفق كامل
وواقع العوالم يظل ينعكس في صباحات و مساءات لا نهائية
يا للأقدار
..
بالمناسبة
حدثني أكثر عن نهاية زكي مراد ، و كيف تأتى لك معرفة ذلك؟
تحية
ــــــــــــــــــــــــــــ
بسام
لأ مش أمير رمسيس
:)
عموما أنا تحت الأمر
انت بس تأشر
ــــــــــــــــــــــــــــ
علاء
يا صديقي العزيز
و الله ولا توجد نهايات حزينة ، و لا سعيدة
انها دائرة ، لا تنتهي ، بطريقة ماركيزية عزلوية!! أتمنى أن أصادف نهاية حزينة ، لعلي أستريح ، لكن لا نهاية للأشياء ، و بالذات لدي ، يظل بعضا من أرواح الناس في ، و لا خلاص
أتوق للنهايات بشكل يائس
أتوق لصباح لا يحمل ضغينة الأمس ، و بقايا حلم لم أختره ، و رائحة أناس عديدون
في رأيي؟
لن تنتهي
... عموما ، أكيد الترجمة هايلة ، و لو اني ما باعرفش ألماني ، بس بلا شك ،
أشكرك على هذا الشرف الذي أعطيتنيه ، و لك خالص الود أيها الصديق
ايه الصدف دى
ردحذفانت تعرف البنوته دى كمان
دى بنت هايله... و كل دا وهى لسه مخلصة ثانوية عامة اول امبارح
انت تعرف انها عامله بتاع خمس أفلام ؟
ؤؤ
ردحذفملاحظة خارج الاطار: هي فين جميلة؟
ردحذفو الله يا استاذ أحمد مش صدفة و لا حاجة
ردحذفبس هي الدنيا صغيرة بشكل ممل , حتستغرب لو عديتلك مين تاني يعرفوها
أنا متخيل الشعور بالدهشة اللى كان عندك لما هية فجأتك بحكاية الفيل دى
ردحذفتدوينة ممتعة جداً
أتذكر ابى
ردحذفو أتذكر صاحب الفيل
وأتمنى لو كانوا احياء ليقرأوا القصة التى شاركوا فى صنعها
و لكنهم رحلوا قبل زمن المدونات
روايتك للقصة زادتها جمالا