لاسباب جغرافية و مادية بحتة ، لم أحظ في تعليمي الإلزامي بالدراسة في أي مدرسة غير حكومية - باستثناء سنة في مدرسة خاصة انتقالية لا أذكرها كثيرا - حيث كنا نعيش في مدينة ساحلية صغيرة في الثمانينات - مرحلة الابتدائية - ، و كانت بالمدينة مدرستين لا ثالث لهما ، كلتاهما خاضعتان للوزارة.
الأولي في قلب المدينة ، و الثانية تطرفت في ضواحيها، و بالتالي كان قدري أن قضيت مراحل الابتدائية و الاعدادية و جزء من ثانويتي فيها. الأمر الذي اختلف عني فيه أخوتي و أخواتي الأصغر حينما تم افتتاح مدرسة خاصة تعلم الانجليزية في سنوات لاحقة ، و كانت لمدرستهم هذه توجه اسلامي مريب، فلم نكن نعرف حينها مدارس تحفظ القرآن إلا الأزهرية ، و تخرج فيها كل أخوتي و أخواتي فيها ما عداي لأنني أكبرهم.
أسوق ذلك مفتتحا ، و ابطالا لسؤال مكرر يأتيني من المرور على المدونة ، و الضاغطين على زر الدردشة ، و السائلين إن كنت قد درست في أوروبا ، أو أنني مجرد خريج آخر من الجامعة الامريكية ، و أجهل تماما سر هذا التصور الذي تكرر كثيرا فعلا. ولا أجد له مبررا سوى أنني أضع وصلات لأغان غربية. خاصة مع ضعف أعتقده في انجليزيتي و اسبانيتي و مؤكد عربيتي أيضا.
مدرستنا هذه كانت رائعة المعمار ، ممتلئة بالخضرة ، و تألفت من مجموعة مبان بطابقين ، و لها سقف عال جدا و مشمسة دوما ، و يقوم مستثمرو المدينة بأعمال صيانة دورية. و كنا جميعا نقود دراجاتنا للمدرسة صباحا ، فتجد صفا من عشرات الدراجات في مكان مخصص عند المدخل ، يشبه اماكن وقوف الدراجات بالعاصمة الهولندية كثيرا. و كان المدرسون يظنون - خطئا - أنني انطق عربية سليمة ، و ذلك لعادة تخليت عنها لاحقا متعلقة بتعطيش حرف الچيم ، كنت قد اكتسبتها من ثلاث سنوات دراسة أولى في بلاد النفط . و بالتالي جعلوا مني قارئا بالإذاعة المدرسية لسنوات . و باختياري رئيسا للفصل ، ثم رئيسا للكشافة حصلت على بضعة مزايا تافهة ، منها حذفي بشكل حبي من قائمة الحضور و الغياب اليومية في الفصل .
اليوم عادت إلي صور من هذه الحقبة الضبابية في عقلي الآن ، فتبدو تلك المدينة الأخرى بعيدة ، فلم تطأها قدماي منذ ١٠ سنوات ربما منذ عصور الثانوية العامة ، و ابدو انا نفسي ضبابيا كلما اجاهد لأراني شابا يركب دراجة عبر الحدائق ، في أمطار الشتاء . مرتديا منديل الكشافة ، و قبعة لا أذكر لونها ، أظنها خضراء.
مع الأحداث الأخيرة المرعبة ، أعرف مدى رداءة التعليم الذي حصلنا عليه في هذه المدرسة ، و إلي أي مدى أسهم هؤلاء المدرسون في خلق شباب جيلنا ،و الذين كانوا أصحابي الوحيدين و أثروا في أيضا ، فتكاد تكون حلقة محكمة الإغلاق على كل المدخلات و الثقافات التي تشربتها طفلا و مراهقا..لذا أحاول هنا تذكر أهم هؤلاء المدرسين ، و لسبب أجهله.
-مِس عبير-
لا أظن هناك شعور بالخذلان أقوى من أن يمتلك الطفل من المعرفة أكثر من مدرّسِه ، شعور بالعدمية و اللاجدوى في آن .
مس عبير ، كانت تدرس لفصول أصغر منا ، و لكنها كانت تأتينا في حصص "الاحتياطي" دائما. كانت الوحيدة التي ترتدي الإسدال بالمدرسة ، و كانت نصف مدرسات المدرسة هن فقط المحجبات في حينها.
جاءت يوما في حصة احتياطي ، و قالت أنها متعبة ، و اسندت رأسها و نامت على مكتب المدرس ، دقائق قليلة و فتحت أعينها ، و كأنما شاهدت رؤيا .
قالت: الحصة الاحتياطي مش حصة للعب ، لان الله سبحانه و تعالى حيحاسبني على الوقت اللي قضيته معاكم ، عشان كده ، لازم "تنهلوا من العلم" ، ثم وقفت و بدأت تكتب علي السبورة الآتي:
صلاة الفجر - ركعتان قبلها
الظهر - أربع ركعات قبلها
فهمنا أنها تكتب الصلوات السنن التي يجب أن نصليها ، و لكن ما فاجأني هو انها كتبت الآتي بالحرف الواحد.
سلاة الفجر - ركعتن قبله
سلاه الضهر - اربعة ركعة قبله
جعلت أبحلق في السبورة مشدوها بما أري ، لم أتمالك نفسي ، قمت و قلت : "يا ميس ، كل اللي حضرتك كاتباه غلط. ولا كلمة من دول بتتكتب كده."
انهالت علي بوابل من التوبيخ ، و طردتني من الفصل
و حتى الآن لم أعرف أبدا كيف كانت تدرس مادتها للفصول الأخرى. بإمكانياتها اللغوية تلك .
- أ. محب -
الأستاذ محب كان رجلا طبقيا جدا ، اول العام الدراسي سألنا أسئلة من نوع :
"مين باباه عنده عربية؟ مين ساكن في شقة و مين في ڤيلا؟ مين ساكن في الحي الفلاني ؟ مين اهلو بيتكلمو انجليزي ؟ مين معاه كلينكس في جيبه؟"
و بناء على ذلك قسم الفصل طبقا لاجاباته و رتب أماكن جلوس الطلبة.
و الحقيقة لا بد من القول أن المدرسة تلك كانت فقاعة اجتماعية ، لم و لن تتكرر ، فظروف المدينة الصغيرة أدت إلى أن أصبح اقطاعيوها و معوزوها يرسلون أولادهم لنفس المدرسة ، ففي نفس الفصل جلس أبناء دبلوماسيين ، و متعددو الجنسيات ، و أبناء مستثمري المصانع ، جنبا إلى جنب مع أولاد المزارعين و عمال نفس المصانع التي يملكها طلبة زملاؤهم.
و كان يحدث أن يعتذر طلبة عن الحضور لأنهم يعملون في الحقل في موسم ما يساعدون أهلهم في الحصاد ، في حين يعتذر آخرون عن الحضور لان الرئيس الفرنسي يزور مصانع عائلاتهم ، و سيرافقون ذويهم لمقابلته. هكذا كانت الأجواء.
عودة لمحب ، الرجل كان يضرب الطلبة بلا هوادة ، ولسبب ما - طبقي اعتقد - استثنى بضعة منا من العقاب المتعسف ، و كنت منهم.
كانت ممارسته الفضلى هي التعليق على الباب ، و علمت حينما كبرت أنها من ممارسات التعذيب باقسام الشرطة ، حيث يضع الطالب يديه من خلفه ، و يكون الحلق العلوي للباب بين ذراعيه و ظهره فيما تحت إبطيه ، مما يسبب حزا شديدا و ألما فائقا بفعل ثقل الجسم المعلق ، و كان إما يترك الطالب لوقت حتى يتأذى و يهتريء ما بين ساعديه ، أو يضرب باطن قدمه العاري أثناء ذلك.
لسبب أجهله ، زار محب دارنا بعد عدة من تخرجي - و أظنه أتى مع صديق لوالدي من المدينة القديمة - رفضت مقابلته و السلام عليه . غادر متأثرا ، لكنني لم أنسى بكاء الأطفال عاليا فوق الباب ليومنا هذا.
- أ. حسام -
الأستاذ حسام ، كان مدرس الدين و اللغة العربية ، و هو من ابتدع مقولة: السلام عليكم ، كتحية رسمية عند دخوله الفصل عوضا عن صباح الخير. ثم تبناها بقية المدرسون في المدرسة .
كانت حياتنا تتغير مع بداية التسعينات ، و نلمس المنحى الاكثر تشددا من الاسلام رويدا رويدا .
في يوم وقف الاستاذ حسام يحدثنا عن العادة السرية ، كان يتحدث عربية سليمة و ان كانت معدومة التأثير أو الكاريزما، قال من جملة ماقال: " هذه العادة حرام ، و من يدمنها سيضعف جسده حتما ، و يضعف بصره ، و تتكاثر الحبوب في وجهه ، و لن يعاود الانتصاب عند الزواج "
قال أحدهم (اسمه مكرم ، كتبت عنه سابقا ) : " يا استاذ انا بامارسها من سنة و ما بيحصليش اي مشاكل ، و بعدين مافيه متجوزين بيجتمعوا بزوجاتهم اكثر من مرة في اليوم ، هل بتظهر عليهم الأعراض دي؟"
قال أ. حسام: " يا مكرم لا تجاهر بالمعصية ، و تب إلى الله من هذا الفعل ، و إن كنت تقرأ أو تتابع احدث اكتشافات العلم لكنت عرفت أنه آثناء الجماع تكون فتحة قضيب الذكر مفتوحة عن آخرها ، فتدخل منها سوائل من مهبل المرأة ،هذه السوائل مليئة بالمقويات التي تعوض ما يفقده الزوج عند القذف"
همس مكرم في أذني بعد الحصة: " سيبك من اللي بيقوله ده ، ده كلام فارغ و مش علمي! انا باسرتن ٥ مرات في اليوم و باشيل حديد ، اصلا صحتي بتتحسن!"
- مس نجوى -
مس نجوى كانت محجبة حجابا يظهر أكثر مما يخفي ، فقد كانت في مرحلة الانتقال كسائر البلد . و كان الحجاب جديدا عليها و هي تشرف على العقد الرابع.
كانت تدرسنا الجغرافيا و كانت تنطق الاسماء بطريقة مؤسفة فتقول "كمبوتيشيا - Cambotishya" بدلا من كمبوديا ، و تقول حُمُّص بدلا من حِمص السورية ، و مرة كانت تؤكد لنا أن في كل دولة عربية مدينة بنفس اسمها ، مثل الجزائر و الكويت و تونس.
و من معارفي الضئيلة فكرت أن هذه استثناءات و ليست قاعدة ، بدليل أن ليس في مصر مدينة اسمها مصر ، عبرت عن ذلك ، قالت بلا تردد:" هو انت لما بتسافر القاهرة ، مش بتقول انا نازل مصر؟"
و كانت مقتنعة تماما.
السيدة عرفناها شديدة العنف أيضا ، كان لديها عصا تشبه رجل كرسي القهوة الخشبية السميكة ، أو هي حقا رجل لكرسي قديم ، غليظة جدا ، حتى ان الضرب بها على اليد لن يجدي كثيرا.
كانت تضرب بها على الرأس.وبشكل مباغت.
و حدث مرة أن نزف طالب من منبت الشعر في رأسه من جراء ضربة واحدة خاطفة.
أتانا بضمادة أعلى رأسه في اليوم التالي و بجواره أبيه واعداً المدرسة بان ابنه لن يكرر خطأه ، و طلب منه أن يعتذر لها ، قالت : "مش حاقبل اعتذارك ، بس من هنا ورايح تذاكر ، و نبقى نشوف"
الحقيقة هي ضربته ونزف لانه لم يعرف اجابة سؤال منهجي أبله.
على الرغم أنني أنا شخصيا كنت من أقل المتعرضين للعنف الجسدي ، أو اللفظي في المدرسة ، إلا أنه قد ترك في أثرا بالغا ، على الأقل الرؤية و التعاطي اليومي مع هذا الواقع .
و الحقيقة ، حينما يلقي مدرس بالطالب من الدور الثاني ، فإنني لا أظن في هذا العام - في المدرسة محل الحادث - سيصبح لتحصيل العلم أيه قيمة في نفوس الطلبة ، باستثناء تعاطيهم مع المدرسة كحلقة أخري في مسلسل الخوف اليومي ، سواء من الاسرة ، أو من الشارع ، أو من السلطة ، و القائمة تطول.
يقول پول سيمن ، مغني المفضل :
الأولي في قلب المدينة ، و الثانية تطرفت في ضواحيها، و بالتالي كان قدري أن قضيت مراحل الابتدائية و الاعدادية و جزء من ثانويتي فيها. الأمر الذي اختلف عني فيه أخوتي و أخواتي الأصغر حينما تم افتتاح مدرسة خاصة تعلم الانجليزية في سنوات لاحقة ، و كانت لمدرستهم هذه توجه اسلامي مريب، فلم نكن نعرف حينها مدارس تحفظ القرآن إلا الأزهرية ، و تخرج فيها كل أخوتي و أخواتي فيها ما عداي لأنني أكبرهم.
أسوق ذلك مفتتحا ، و ابطالا لسؤال مكرر يأتيني من المرور على المدونة ، و الضاغطين على زر الدردشة ، و السائلين إن كنت قد درست في أوروبا ، أو أنني مجرد خريج آخر من الجامعة الامريكية ، و أجهل تماما سر هذا التصور الذي تكرر كثيرا فعلا. ولا أجد له مبررا سوى أنني أضع وصلات لأغان غربية. خاصة مع ضعف أعتقده في انجليزيتي و اسبانيتي و مؤكد عربيتي أيضا.
الصورة من فليكر
مدرستنا هذه كانت رائعة المعمار ، ممتلئة بالخضرة ، و تألفت من مجموعة مبان بطابقين ، و لها سقف عال جدا و مشمسة دوما ، و يقوم مستثمرو المدينة بأعمال صيانة دورية. و كنا جميعا نقود دراجاتنا للمدرسة صباحا ، فتجد صفا من عشرات الدراجات في مكان مخصص عند المدخل ، يشبه اماكن وقوف الدراجات بالعاصمة الهولندية كثيرا. و كان المدرسون يظنون - خطئا - أنني انطق عربية سليمة ، و ذلك لعادة تخليت عنها لاحقا متعلقة بتعطيش حرف الچيم ، كنت قد اكتسبتها من ثلاث سنوات دراسة أولى في بلاد النفط . و بالتالي جعلوا مني قارئا بالإذاعة المدرسية لسنوات . و باختياري رئيسا للفصل ، ثم رئيسا للكشافة حصلت على بضعة مزايا تافهة ، منها حذفي بشكل حبي من قائمة الحضور و الغياب اليومية في الفصل .
اليوم عادت إلي صور من هذه الحقبة الضبابية في عقلي الآن ، فتبدو تلك المدينة الأخرى بعيدة ، فلم تطأها قدماي منذ ١٠ سنوات ربما منذ عصور الثانوية العامة ، و ابدو انا نفسي ضبابيا كلما اجاهد لأراني شابا يركب دراجة عبر الحدائق ، في أمطار الشتاء . مرتديا منديل الكشافة ، و قبعة لا أذكر لونها ، أظنها خضراء.
مع الأحداث الأخيرة المرعبة ، أعرف مدى رداءة التعليم الذي حصلنا عليه في هذه المدرسة ، و إلي أي مدى أسهم هؤلاء المدرسون في خلق شباب جيلنا ،و الذين كانوا أصحابي الوحيدين و أثروا في أيضا ، فتكاد تكون حلقة محكمة الإغلاق على كل المدخلات و الثقافات التي تشربتها طفلا و مراهقا..لذا أحاول هنا تذكر أهم هؤلاء المدرسين ، و لسبب أجهله.
الصورة من فليكر
-مِس عبير-
لا أظن هناك شعور بالخذلان أقوى من أن يمتلك الطفل من المعرفة أكثر من مدرّسِه ، شعور بالعدمية و اللاجدوى في آن .
مس عبير ، كانت تدرس لفصول أصغر منا ، و لكنها كانت تأتينا في حصص "الاحتياطي" دائما. كانت الوحيدة التي ترتدي الإسدال بالمدرسة ، و كانت نصف مدرسات المدرسة هن فقط المحجبات في حينها.
جاءت يوما في حصة احتياطي ، و قالت أنها متعبة ، و اسندت رأسها و نامت على مكتب المدرس ، دقائق قليلة و فتحت أعينها ، و كأنما شاهدت رؤيا .
قالت: الحصة الاحتياطي مش حصة للعب ، لان الله سبحانه و تعالى حيحاسبني على الوقت اللي قضيته معاكم ، عشان كده ، لازم "تنهلوا من العلم" ، ثم وقفت و بدأت تكتب علي السبورة الآتي:
صلاة الفجر - ركعتان قبلها
الظهر - أربع ركعات قبلها
فهمنا أنها تكتب الصلوات السنن التي يجب أن نصليها ، و لكن ما فاجأني هو انها كتبت الآتي بالحرف الواحد.
سلاة الفجر - ركعتن قبله
سلاه الضهر - اربعة ركعة قبله
جعلت أبحلق في السبورة مشدوها بما أري ، لم أتمالك نفسي ، قمت و قلت : "يا ميس ، كل اللي حضرتك كاتباه غلط. ولا كلمة من دول بتتكتب كده."
انهالت علي بوابل من التوبيخ ، و طردتني من الفصل
و حتى الآن لم أعرف أبدا كيف كانت تدرس مادتها للفصول الأخرى. بإمكانياتها اللغوية تلك .
- أ. محب -
الأستاذ محب كان رجلا طبقيا جدا ، اول العام الدراسي سألنا أسئلة من نوع :
"مين باباه عنده عربية؟ مين ساكن في شقة و مين في ڤيلا؟ مين ساكن في الحي الفلاني ؟ مين اهلو بيتكلمو انجليزي ؟ مين معاه كلينكس في جيبه؟"
و بناء على ذلك قسم الفصل طبقا لاجاباته و رتب أماكن جلوس الطلبة.
و الحقيقة لا بد من القول أن المدرسة تلك كانت فقاعة اجتماعية ، لم و لن تتكرر ، فظروف المدينة الصغيرة أدت إلى أن أصبح اقطاعيوها و معوزوها يرسلون أولادهم لنفس المدرسة ، ففي نفس الفصل جلس أبناء دبلوماسيين ، و متعددو الجنسيات ، و أبناء مستثمري المصانع ، جنبا إلى جنب مع أولاد المزارعين و عمال نفس المصانع التي يملكها طلبة زملاؤهم.
و كان يحدث أن يعتذر طلبة عن الحضور لأنهم يعملون في الحقل في موسم ما يساعدون أهلهم في الحصاد ، في حين يعتذر آخرون عن الحضور لان الرئيس الفرنسي يزور مصانع عائلاتهم ، و سيرافقون ذويهم لمقابلته. هكذا كانت الأجواء.
عودة لمحب ، الرجل كان يضرب الطلبة بلا هوادة ، ولسبب ما - طبقي اعتقد - استثنى بضعة منا من العقاب المتعسف ، و كنت منهم.
كانت ممارسته الفضلى هي التعليق على الباب ، و علمت حينما كبرت أنها من ممارسات التعذيب باقسام الشرطة ، حيث يضع الطالب يديه من خلفه ، و يكون الحلق العلوي للباب بين ذراعيه و ظهره فيما تحت إبطيه ، مما يسبب حزا شديدا و ألما فائقا بفعل ثقل الجسم المعلق ، و كان إما يترك الطالب لوقت حتى يتأذى و يهتريء ما بين ساعديه ، أو يضرب باطن قدمه العاري أثناء ذلك.
لسبب أجهله ، زار محب دارنا بعد عدة من تخرجي - و أظنه أتى مع صديق لوالدي من المدينة القديمة - رفضت مقابلته و السلام عليه . غادر متأثرا ، لكنني لم أنسى بكاء الأطفال عاليا فوق الباب ليومنا هذا.
- أ. حسام -
الأستاذ حسام ، كان مدرس الدين و اللغة العربية ، و هو من ابتدع مقولة: السلام عليكم ، كتحية رسمية عند دخوله الفصل عوضا عن صباح الخير. ثم تبناها بقية المدرسون في المدرسة .
كانت حياتنا تتغير مع بداية التسعينات ، و نلمس المنحى الاكثر تشددا من الاسلام رويدا رويدا .
في يوم وقف الاستاذ حسام يحدثنا عن العادة السرية ، كان يتحدث عربية سليمة و ان كانت معدومة التأثير أو الكاريزما، قال من جملة ماقال: " هذه العادة حرام ، و من يدمنها سيضعف جسده حتما ، و يضعف بصره ، و تتكاثر الحبوب في وجهه ، و لن يعاود الانتصاب عند الزواج "
قال أحدهم (اسمه مكرم ، كتبت عنه سابقا ) : " يا استاذ انا بامارسها من سنة و ما بيحصليش اي مشاكل ، و بعدين مافيه متجوزين بيجتمعوا بزوجاتهم اكثر من مرة في اليوم ، هل بتظهر عليهم الأعراض دي؟"
قال أ. حسام: " يا مكرم لا تجاهر بالمعصية ، و تب إلى الله من هذا الفعل ، و إن كنت تقرأ أو تتابع احدث اكتشافات العلم لكنت عرفت أنه آثناء الجماع تكون فتحة قضيب الذكر مفتوحة عن آخرها ، فتدخل منها سوائل من مهبل المرأة ،هذه السوائل مليئة بالمقويات التي تعوض ما يفقده الزوج عند القذف"
همس مكرم في أذني بعد الحصة: " سيبك من اللي بيقوله ده ، ده كلام فارغ و مش علمي! انا باسرتن ٥ مرات في اليوم و باشيل حديد ، اصلا صحتي بتتحسن!"
- مس نجوى -
مس نجوى كانت محجبة حجابا يظهر أكثر مما يخفي ، فقد كانت في مرحلة الانتقال كسائر البلد . و كان الحجاب جديدا عليها و هي تشرف على العقد الرابع.
كانت تدرسنا الجغرافيا و كانت تنطق الاسماء بطريقة مؤسفة فتقول "كمبوتيشيا - Cambotishya" بدلا من كمبوديا ، و تقول حُمُّص بدلا من حِمص السورية ، و مرة كانت تؤكد لنا أن في كل دولة عربية مدينة بنفس اسمها ، مثل الجزائر و الكويت و تونس.
و من معارفي الضئيلة فكرت أن هذه استثناءات و ليست قاعدة ، بدليل أن ليس في مصر مدينة اسمها مصر ، عبرت عن ذلك ، قالت بلا تردد:" هو انت لما بتسافر القاهرة ، مش بتقول انا نازل مصر؟"
و كانت مقتنعة تماما.
السيدة عرفناها شديدة العنف أيضا ، كان لديها عصا تشبه رجل كرسي القهوة الخشبية السميكة ، أو هي حقا رجل لكرسي قديم ، غليظة جدا ، حتى ان الضرب بها على اليد لن يجدي كثيرا.
كانت تضرب بها على الرأس.وبشكل مباغت.
و حدث مرة أن نزف طالب من منبت الشعر في رأسه من جراء ضربة واحدة خاطفة.
أتانا بضمادة أعلى رأسه في اليوم التالي و بجواره أبيه واعداً المدرسة بان ابنه لن يكرر خطأه ، و طلب منه أن يعتذر لها ، قالت : "مش حاقبل اعتذارك ، بس من هنا ورايح تذاكر ، و نبقى نشوف"
الحقيقة هي ضربته ونزف لانه لم يعرف اجابة سؤال منهجي أبله.
الصورة من فليكر
على الرغم أنني أنا شخصيا كنت من أقل المتعرضين للعنف الجسدي ، أو اللفظي في المدرسة ، إلا أنه قد ترك في أثرا بالغا ، على الأقل الرؤية و التعاطي اليومي مع هذا الواقع .
و الحقيقة ، حينما يلقي مدرس بالطالب من الدور الثاني ، فإنني لا أظن في هذا العام - في المدرسة محل الحادث - سيصبح لتحصيل العلم أيه قيمة في نفوس الطلبة ، باستثناء تعاطيهم مع المدرسة كحلقة أخري في مسلسل الخوف اليومي ، سواء من الاسرة ، أو من الشارع ، أو من السلطة ، و القائمة تطول.
يقول پول سيمن ، مغني المفضل :
When I think back , On all the crap I learned in high school.
It’s a wonder I can think at all.
And though my lack of education Hasn’t hurt me none.
I can read the writing on the wall
Is that what all this teaching is needed to scout?
ردحذفYou seemed to have a bad effect
Your rules and contradictions, I would neglect
Though not my fault, you made me feel
Like my own education wasn't truly real
******
artist: FlAW
song :WHOLE
اعتقد ان اكبر جريمة بترتكب في حق الاطفال المصريين اولا هو ان اهلهم خلفوهم اصلا وجابوهم للبكابورت الكبير المسمي مصر
ثانيا : التعليم .. اعتقادي المتواضع ان الاسثثمار في التعليم في مصر استثمار فاشل لو كل اب وام شالوا لاولادهم الفلوس اللي كانوا هيصرفوها عليهم في التعليم هيبقي افضل كتير
*******
have a nice day
السيء أن يقوم مدرس بضرب تلميذ.. والأسوأ أن يضربه لأنه أجاب إجابة خاطئة "على سؤال منهجي"..
ردحذفشكراً
مرة و أنا فى ثانوية عامة, مدرس الغة الإنجليزية كان بيحاول يقنعنى, فى درس عن الكلمات الإنجليزى اللى أصلها عربى, أن كلمة write down أصلها كلمة "يُدَوِّنْ"
ردحذفالحقيقة موضوع جميل ومدونة روعة
ردحذفhttp://egyphoto.blogspot.com/