المخرج دارن أرونفسكي ، و ميكي رورك (المصارع) *
حينما كنت أصغر ، كنت لازلت مشدوها بالسينما الأمريكية ، و كنت أظنها خير الأفلام على الأرض - الحق هذا ليس من ذنبي ، فلم أكن أشاهد في القاهرة أياً من سينما العالم - و كانت ليلة توزيع جوائز الأوسكار ليلة مقدسة لدي ، بدأت منذ مشاهدتي صدفة (على قناة ام تي في اللبنانية) - كان ذلك قبل الفضائيات - و كنا نلتقط من مدينتنا الساحلية الصغيرة عبر هوائي التلفاز ، العشرات من قنوات التلفزة الخاصة بالطوائف اللبنانية المتناحرة حينها - ولا زالت - .
و بقيت أتذكر سماع خطاب سبلبرج على الهواء عام ١٩٩٣ عند فوزه بالأوسكار عن قائمة شندلر ، و لكن مصحوبا بترجمة فورية لبنانية. و كانت الحفلات عموما أقل ترفا و بذخا كثيرا عن الآن. و أذكر تردد المعلق اللبناني عن ترجمة جملة سبلبرج الأخيرة ، حول ضحايا الهولوكوست.
كنت حينها لا أعرف كثيرا عن حال السينما العربية - و الحقيقة لازلت لا أعرف ، أو أن الذي أعرفه لا أفهمه تماما - و لكني كمراهق كنت أتساءل : لماذا لا نصنع أفلاما جيدة "مثلهم"؟ .. ولكن بعد ان نضجت - نسبيا - و علمت القيمة الضئيلة لأفلام هوليوود ، و شاهدت سينما من كل أرجاء الأرض تغيرت حساباتي.
هذا العام شاهدت كل أفلام الأوسكار تقريبا ، على الأقل الدرامية ، و الآن و بينما أنا في سن الثلاثين لم يعد في خلدي سؤالي التقليدي : "لماذا لا نصنع أفلاما مثلهم؟" ، و لكن كان سؤال آخر : "لماذا لا نعيش حياة مثل هذه؟" ، فبينما أشاهد الأفلام ، كنت "أتفرج" بالمعنى الحرفي للكلمة ، الفرجة بمعنى الاطلاع على العوالم الأخرى الدائرة في الفيلم ، تلك التجارب الحياتية البسيطة التي لا نعيشها إلا في السفر ، و أخذت أفكر من موقعي هنا في قلب المدينة فوجدت أن أغلب قصص هذه الأفلام تستعصي على حياتي القاهرية هنا و أغلبها مستحيل الحدوث تقريبا، فلا أعرف كيف يمكن مثلا أن:
- يقيم شخصا علاقة مع امرأة غريبة جميلة ، و تكبره سنا ، قائمة علي أنه يقرأ لها الكتب .
- أو يبحث جندي سابق حول ماضيه ، و ماضي أمته العسكري .
- أو ان سأمت فتاة من حياتها ، فيمكنها أن تأخذ مركبا صغيرا في بحيرة ما في قلب مدينتها .
- و أن يدرس الفقراء في مدارسهم الرقص ، و الموسيقى جنبا لجنب مع الدين و كلاسيكيات الأدب ، صبيانا و بناتا.- أن يناضل شخص من أجل ميوله الجنسية/المثلية، و أن تدعمه إدارة مدينته.
- أن يعامل القاتل معاملة إنسانية و يحصل على محاكمة عادلة ، حتى و إن تم شنقه.
- أن يتحرك صديقان بالقطار عبر حدود عدة، لا يحملان سوى حقيبة متاع ، و يصبحان في أي بلد تحلو لهما.
- أن تعيش امرأة وحيدة في مقطورة، و تعلم ابناها من وظيفة غير ثابتة في سوبر ماركت. أو تحول بيتها لفندق صغير بعدة غرف .- أن يحظى سكان الحي سواسية - بغض النظر عن غناهم و فقرهم - بأقل بديهيات الحياة ، كتعليم جيد ، وحديقة صغيرة ، أو حتى مطعم رخيص يمكن الوصول اليه بالدراجة ، أو حمام سباحة عام لأهل الحي . و بالتالي تصبح لهم حياة كاملة.
- انه إذا ما سقط شخص مغشيا عليه فانه سينقل إلي مستشفى ، و تتم له جراحة قلب مفتوح ، حتى و إن كان بلا أقرباء أو تأمين.
- أنه إذا ارتكب الفرد أمرا خطأ -أو صوابا- فوجد نفسه في السجن ، فيصبح في مقدوره القراءة و الكتابة ، بل و تساعده إدارة السجن علي السكن و التوظف بعد الخروج .- انه إذا ما سقط شخص مغشيا عليه فانه سينقل إلي مستشفى ، و تتم له جراحة قلب مفتوح ، حتى و إن كان بلا أقرباء أو تأمين.
- و لا أعرف كيف يعيش شخص في مدينة واحدة صغيرة ، و لا يحتاج للعاصمة أبدا ، و في مدينته يقوم بعمله و يعود أهله ، و يحضر الحفلات و يقع في الحب لثلاث مرات .
- ولا أفهم أن تعمل امرأة في مرقص للتعري ليلا، و لكنها تعيش حياة طبيعية في النهار ، و تستذكر دروس ابنها ، و تعهد به لطالبة جامعية حينما تذهب لتتعرى ، و الحقيقة لم أعرف عروض التعري من الأساس في القاهرة.
دوني بويل / دڤ پاتل (مليونير العشوائيات)
چون پاتريك شانلي / مريل ستريب (شك)
كرستوڤر نولان / الراحل هث ليدجر (فارس الظلام)*
ختاما ، لابد لي أن أوضح أنني كرهت كل أفلام الأوسكار ، باستثناء فيلمين لا أكثر ، و الباقون هم أفلام تسلية بحتة , يغلب عليهم طابع تجاري محزن ، أو في ظروف أخرى لهم نكهة محافظة أو سياحية كيفما اتفق ، و حمل الكثير منهم بأفكار معدة مسبقا لمشاهد ضعيف الإمكانيات ، و محدود الرؤية إلى مدى بعيد. و لكنه يعيش نوعا خاصا من حياة ، ثم يصنعها أفلاما و يشاهدها .
و لكنها مازالت لا تحدث هنا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
* - جميع الصور من أعمال آني ليوبوفيز ، المصورة الكلاسيكية الشهيرة لمجلة رولنج ستونز.