٠٢‏/٠٨‏/٢٠٠٧

كيف نفكر؟

منذ عدة أعوام ، قام شارون بـ "زيارة" للمسجد الأقصى ، فثارت الشعوب ، و هبت المظاهرات في كل مكان تحتج على "تدنيس" المسجد بأقدام القردة ، و تفاقمت الاحتجاجات ، و أدت إلى مقتل الطفل محمد الدرة ، فخرجت الشعوب العربية عن صمتها ، و حطمت القيود ، و اندلعت المظاهرات في كل مكان رافعة صورة الطفل الشهيد ، حتى أصبحت أعرف محل بقالة ، و آخر للعطارة ، و خط للكمبيوتر باسم محمد الدرة.

على صعيد آخر ، و تقريبا في نفس الوقت ، كانت حكومة عربية اسلامية شقيقة ، ترسل جيوشها لحرق ، و قتل عشرات الآلاف من أبنائها ، و لاأتحدث عن صدام ، و لكن عن حكومة السودان.


فالوضع في دارفور هو حقا أكثر الأوضاع حرجا على كوكب الأرض حاليا ، بلغ عدد القتلى وفقا لمراقبي الأزمة ما فاق المائتي ألف قتيل ، ناهيك عن جرائم الاغتصاب ، و خطف الأطفال و اجبارهم علي حمل السلاح، في حين تؤكد حكومة السودان أن القتلى لم يتجاوزوا التسعة آلاف منذ بدء الأزمة حوالي عام ٢٠٠١ .

الملفت للأمر أن ما يحدث في السودان ، يتم ترويجه إعلاميا في مصر ، كحرب أهلية بين القبائل ، و لكن الأمر أسوأ بكثير ، فأن الحكومة ذاتها شنت مئات الغارات الجوية لقصف قرى بأكملها ، تاركة مساحة للجانجويد بارتكاب مذابح عرقية ضد ما يسموا بالمتمردين ، أو ذوي الأصول الأفريقية ، ووفقا لتقرير بي.بي.سي:
“ ... ويوجد جماعتان من المتمردين هما الجيش الشعبي لتحرير السودان وحركة العدل والمساواة التي ترتبط بحسن الترابي الذي يعد أكبر سياسي سوادني معارض.
..... و اعترفت الحكومة من جانبها بحشد "مليشيات للدفاع الذاتي" في أعقاب هجمات شنها المتمردون لكنها نفت وجود أي صلات لها بمليشيات الجانجاويد المتهمين بمحاولة "تطهير" مناطق كبيرة من الأفارقة السود.
ويقول اللاجئون من دارفور إن مليشيات الجانجاويد قاموا من على ظهور الخيل والجمال بذبح الرجال واغتصاب النساء وسرقة ما يجدونه أمامهم وذلك في أعقاب الغارات الجوية التي شنتها الحكومة.
وذكرت كثير من النساء أنهن تعرضن للخطف من قبل الجانجاويد وأخذن كعبيد لأكثر من أسبوع قبل أن يطلق سراحهم.
وتقول جماعات حقوق الانسان والكونجرس الأمريكي إن الجانجاويد يقومون بعمليات إبادة جماعية.
وفي حالة إقرار الأمم المتحدة بوقوع عمليات إبادة جماعية فإنها ملزمة بعمل شيء لوقفها. “

تماما ، فقد كانت الحكومة تقصف القرى بالطيران قبل مداهمة الجانجويد لها ، و احراق قرى بسكانها. و توجد تسجيلات الاتصالات اللاسلكية بين الطيارين و قادتهم، في فيلم أنتجته قناة العربية* .



ووفقا لتقرير هيومان رايتس ووتش القديم عن بدايات الأزمة أن :ـ
“كشفت التحقيقات التي قامت بها هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار - أبريل/نيسان، عن أحداث قتل واسعة النطاق بلغ عددها أربعة عشر حادثاً في دار مساليت وحدها، إذ راح ضحيتها ما يزيد على 770 مدنياً في الفترة ما بين سبتمبر/أيلول 2003 وأواخر فبراير/شباط 2004، ولم تقتصر أحداث دار مساليت على الأحداث المذكورة في تلك الأشهر الستة، ولكنها كانت الأحداث التي استطاعت هيومن رايتس ووتش التحقق من صدقها عن طريق شهادة الشهود وغير ذلك من المصادر الموثوق بها. كما حصلت هيومن رايتس ووتش على معلومات أخرى أدلى بها الشهود الذين شهدوا حالات الإعدام الجماعية في المناطق التابعة لطائفة فور في مقاطعة وادي صالح في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2003 إلى أبريل/نيسان 2004، وعلى الرغم من أن هذه المعلومات أبعد ما تكون عن الاكتمال بسبب صعوبة الوصول إلى الضحايا المقيمين في المدن ومخيمات النازحين التي تسيطر عليها الحكومة، فإنها تدل على أن الاعتداءات على قرى طائفتي مساليت وفور كثيراً ما تتبع أنماطاً متماثلة "ـ

و يمكن متابعة قائمة بانتهاكات الحكومة و دعمها للجانجويد العرب هنا. و لكنها للأسف تعود فقط لعام ٢٠٠٤

و تقرير مؤسف إذ يقول : “.... وكانت الصورة الوحيدة للحياة المدنية التي قابلناها تتمثل في مجموعة من نحو خمسة عشرة شخصاً يرتعدون فرقاً، وعلى درجة من الهزال يرثى لها. وكانوا من الرجال والنساء الذين يحاولون الوصول إلى قريتهم السابقة لنبش واستخراج ما دفنوه في الأرض من أغذية. وقال كثيرون من أهل القرى إنهم شرعوا في دفن حبوبهم في حفر يبلغ عمقها نحواً من عشرة أقدام في الشهور الأخيرة استباقاً لما توقعوه من هجمات على قراهم. وقال شخص يدعى عمر، من قرية غوكار، وهو في الخامسة والثلاثين من عمره "بدأنا في دفن الحبوب منذ أربعة أشهر تقريباً، ولكن سبل العودة لاستعادتها مسدودة، لأنهم إذا شاهدوك فسوف يقتلونك.."

كان هذا في ٢٠٠٤ ، و الأمر لا يتحسن البتة ، فضلا عن تدمير البنية الزراعية الهزيلة ، و تهجير ما تجاوز المليون من قراهم ، إلا أن لازالت حوادث الخطف ، و الاسترقاق مستمرة ، و أعني بالاسترقاق ، خطف مواطنين سودانيين أحرار ، و استعمالهم كعبيد لقبائل العرب.



لا داع لسرد قصص عن الفتيات الاتي اغتصبن بجوار جثث ذويهن ، أو الحوامل الاتي بقرت بطونهن لما في هذه الاحداث من ميلودرامية ، و استدرار رخيص للتعاطف ، و لكنها حدثت ، و لا زالت. في نفس الوقت الذي يتشدق فيه القوميون بمعاني العروبة ، و يتحنجر الآخرون بكلمات عن خطط الغرب الصهيوني لاشعال نار دارفور ، طمعا في النفط.

و تقرير آخر حول الوضع البيئي جاء من جملة ما فيه أن: "... السودان يعاني اكثر من اي بلد آخر في العام من مشكلة اللاجئين، حيث يبلغ تعداد اللاجئين والمرحلين السودانيين اكثر من خمسة ملايين نسمة. وتشير المنظمة الدولية الى ان التصحر في السودان ينتشر بمعدل مئة كيلومتر سنويا في السنوات الاربعين الاخيرة، كما خسرت البلاد زهاء 12 في المئة من مجموع غاباتها في الـ 15 سنة الاخيرة. وجاء في التقرير الاممي: "سيكون من شأن تجاهل هذه العوامل البيئية ابقاء العديد من المشاكل السياسية والاجتماعية دون حل، وبل وزيادتها سوءا، حيث سيزداد التدهور البيئي بزيادة عدد السكان."


و لا يزال الغرب هو المتحرك الأول لوقف أحداث دارفور، بل و الشرق الأقصى أيضا ، بينم العرب يتبرعون بالملايين لتطييب خاطر حماس ، و إرضاء أبي مازن ، و رجال سلطته الحاجزين غرفاً في فنادقنا بالقاهرة على مدار العام ، و لم يذكر أحد أنه مهما بلغ من تعسف و دموية اسرائيل ، فإنه لم يحدث أن أن فلسطينيا قضي جوعا و عطشا ، أو أن جنودهم اغتصبوا فتاة من العرب.

اضغط هنا لرابط الحملة بالصورة
عودة لدارفور ، الحقائق البسيطة أن:

- ما يقارب الـ ٢٠٠،٠٠٠ من القتلى
- ما يجاوز المليون هجروا البلاد نحو التشاد (محركين خريطة الصراع)
- الحكومة تقوم بمساعدة الجانجويد العرب على إبادة كاملة للقبائل و القوى ، معلنة أنهم "متمردين" و لم يتوقف هذا.
- الحكومة هي الخارق الأول لكل اتفاقات وقف اطلاق النار.
- قوات الأمم المتحدة ، و الحفظ السلام الأفريقية المرسلة آخرا ، لن تستطيع أبدا الإشراف على هذه الأواضي الشاسعة
- طالما لا يوجد طرح موضوعي للموقف ، لن يحدث إصلاح للوضع.
- لا يمكن وقف المذابح إن لك يتم الاعتراف بها.

أدعوا الجميع إلى المشاركة ، و لو بنشر حقيقة الأزمة ، و من يمتلك حسابا ائتمانيا بامكانه التبرع و لو ببضعة دولارات هنا ، و هم أناس مؤتمنون فعلا ، و مشاركاتهم اضطلعت بجزء منها ،أما المدونين ، يمكنهم وضع روابط حول الأمر من هنا أو هنا أو هنا ، و المهتمين بالسياسة عليهم نشر فكرة الضغط على حكومة السودان ، تلك التي ترغب في رئاسة الإتحاد الأفريقي لدورته القادمة ، و على من تعدت اهتماماته كل ما سبق ، أن يستوصي خيرا بلاجئي السودان في مصر ، فقد عانوا كفايتهم.



ستبقى إنسانيتنا ، و قدر خلاصنا بأرواحنا على المحك ، طالما تجري هذه الاحداث الدامية في الدولة التي طالما كانت جزءا من مصر ، و سيصبح من الصعب التشدق بكلمات عن الحرية ، و العدل و المساواة ، بل و العروبة و الإسلام ، طالما ظل الأطفال يموتون من الفاقة في هذا الجنوب البعيد.
و بينما نحن هنا... ـ




فريق "جرين داي" يغني رائعة "جون لينون" من أجل دارفور
في الألبوم الذي طرح خصيصا لدعم وقف المذابح






ـ** روابط و قراءات:
تغطية شاملة من بي بي سي بالعربية هنا
رسالة هيومن رايتس ووتش إلى أعضاء مجلس السلم والأمن بالعربية هنا
كريسيس جروپ بالعربية
هنا
فيلم العربية عن الوضع هنا


هناك ٣ تعليقات:

  1. فى نهايه التمانينات وفى أواخر اﻷنتفاضه اﻷولى رفض "رابين" أتهام أسرائيل بأستعمال قوه مفرطه فى قمع اﻷنتفاضه وقال أنه بعد سنوات من القلاقل فى اﻷرض المحتله كل ضحايا "العنف اﻷسرائيلى" لازالوا أقل من ضحايا يوم واحد من قمع نظام عربى للمظاهرات فى شوارع عاصمته وتلك كانت أشاره الى مصرع أكثر من ٦٠٠ جزائرى فى باب الواد بالجزائر العاصمه فى يوم واحد على يد الجيش الوطنى الجزائرى ..
    أحنا بس المقايس ملخبطه عندنا شويتين..تدوينه محترمه ياأحمد..تحياتى..خالد

    ردحذف
  2. على قولك يا خالد... شعوب المنطقة لدينا ، أشعر أحيانا بارتباط طباعهم بالسيدات القرويات ضحايا العنف الأسري في مصر ، فهن يرون أن ضرب أزواجهن لهن "أمر طبيعي" ، و أن "الزوج يعرف أكثر" ، و من المؤكد أن هذه هي "الوسيلة الفعالة "على حد قول العديدات، و قد رسخت الأنظمة العربية في عقل شعوبها فكرة الاحتضان الأبوي ، فننظر للرئيس على أنه الأب ، و رب البيت ، و عائل البلاد ، و قد نجحت هذه السياسة النفسية -فيما يبدو- أن توتي ثمارها على مدى الأعوام.
    و العديد أصبح لا يكترث من العنف الممارس نحوه طالما هو آت من ابن جلدته /دولته ، و ظل طالما الصهاينة و الأمريكان خارج الأمر ، علما بأن مرآة الحقيقة أكثر قسوة بكثير

    شكرا علي التعليق يا خالد ، و تحية

    ردحذف
  3. غير معرف٨/٠٧/٢٠٠٧

    الأمور في عالمنا العربي أصبحت خارجة عن السيطرة إلى حد بعيد, و ظهر في الآونة الأخيرة ما بات يعرف بالدولة ذات الرأسين كما يقول في ذلك أحد المحللين نتيجة لافتقار السلطة المركزية في الدول الديكتاتورية لأبسط مقومات العدل و أبسط مبادىء العمل المؤسساتي الرقابي
    نجد في لبنان حكومة و رئاسة و نجد في العراق عدة رؤوس و في فلسطين فتح و حماس و في السودان شمال و جنوب و متمردين و يبدوا أن الطريق أننا مازلنا في بداية الطريق...... و إن كنت أشعر بأسف شديد لما يحدث في المنطقة إلا أن الأمور قد تدفع الجميع لعمل صفقات بغرض الوصول لتوازنات مستقرة و هو ما يفتح الأمل أمام جميع دول المنطقة للخروج من عبودية السلاطين و هيمنة السلطة....

    تحياتي

    ردحذف

المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO