لا أعلم ما الذي تم في قضية الأستاذ/أبو إسلام ، و الحق أنني لا أريد أن أعلم، فكثير من اكابر المدونين ثاروا و انبروا في الدفاع عن حق التعبير، و عدم مشروعية اعتقاله، وصدرت صورة فحواها أن المصادرة على ابو إسلام هي صفعة لحرية التعبير على الانترنت، وأن للجميع حق الكتابة، و هو ما لا يستطيع أي عاقل إنكاره، و بالتالي أجد صورة أبو إسلام تتصدر العديد من المدونات، و منها ما أكن لها احتراماَ كبيراً.
و لكن لي وجهة نظر مغايرة بعض الشيء حيال هذه القضية، و أرجوا أن يتسع لها القارئ الليبرالي المتحمس،أو المِستَََسلِم، على حد سواء...
انني أتساءل سوءالاً أزليا عن ماهية حق التعبير، و ما هو العرف/القانون/ المبادي التي نتكيء عليها لنستطيع التمييز بين الصالح و الرديء ( إن جاز التعبير) ، و ما هو الفيصل بين الكتابة المنفتحة التي لا تهاب موضوعا أو فردا أو حكومة، و بين الكتابة العنصرية التي تحارب جماعة الآخر بشكل عام، شأنها شأن السلاح أو المال او غيرهما من الوسائل، وقد دوما ما ظننت أن الكلمة اكثر فتكا من أي أداة أخرى، فأدب الإغريق عاش قرونا بعد فناء الجيوش و العتاد و استمرت دولتهم في خيالات و عقول و أشعار الناس إلى اليوم.
و لكن الشبكة تحفل بكتابات تضطهد الآخر، تصفه بأقبح الألفاظ على العموم، و الإهانة هنا تقع على طائفة بعمومها - ليس على الديانة نفسها، او ما تحويه من ايدولوجيا- و هو أمر جائز، و إنما هناك من كتبوا يصفون أهل الدين الآخر بالكلاب و الأفاعي و الغجر و غيرها، و هذه الصفات تطلق على مجموعة من الناس يدينون بديانة مغايرة للكاتب، و هذا هو محور حديثي، هل هذه حرية تعبير؟ كيف؟ و ما هو المبدأ الذي يقوم عليه حكمنا؟و هل البلد في وضع يسمح لنا بدعم مثل هذا السلوك تجاه الديانات الأخري ؟ لا أقول اننا آباء أو أوصياء على ما يقال أو ما لا يقال... و لكن أقول أن لنا دور.
أرى أن كل صاحب ديانة ، أو منتمٍ لمجموعة دينية، او إثنية ما، فهو عادة ما يكون مرتبط أكثر بقواعدها و نواميسها، و قد يظهر من يكيل العداء المجاني لأصحاب الديانة الأخرى، و هو امر أرفضه تماما، و أظن الكثيرين يتفقون معي في الراي، و لكن هل من حق فرد كهذا أن يسب الجماعة الأخرى ؟ هل هي حرية تعبير؟ الإجابة هي لا.
و هذا ليس رأيي، و لكن قبل ان انبري أنا الآخر في شرح ذلك،اسمحوا لي ان أنشر لكم مقتطفات مما كتب الأستاذ أبو اسلام في مقال واحد فقط:
(أعلم أنه لا يمكن ابتسار جمل من سياقها الأدبي، لكن عَدّوهالي، فضلاَ عن أنه لا يوجد أي أدب في الآتي)
"... القسس في جوف الكنائس لا نسمع لهم صوتاً ، وإن سمعناه فهو تراتيل كالشدو وإنشاد بالموسيقى والألحان ، وهو في الحقيقة فحيح الثعابين..."
"... لأن غجر المهجر في أمريكا وكندا وأوربا واستراليا كانوا يتمنون لو تجرح الشرطة كلباً من كلاب الكنيسة...."
"... لو حدث أن كلباً كان قد أصابه جرح في فناء الكنيسة أو خنزيراً في حظيرتها ... إلخ"
"... التعامل مع القسس والرهبان في محاربة الإسلام ، والدعوة إلى ما لا يتفق مع ثوابتهم(المسلمون) في قضايا تعدد الزوجات وحرية المرأة والمساواة وحقوق الإنسان في ممارسة الدعارة ومحاربة خفاض النساء والدعوة لتحديد نسل المسلمين وحرية الارتداد عن دين التوحيد..."
"... لماذا لا تلجم الدولة كلاب الكنيسة ؟ لماذا لا تخرس الألسنة القبيحة ؟لماذا لا تترك المسلمين يدافعون عن دينهم ؟..."
" يغلق باب قبول أي كلام من المسيحي باعتباره تعدياً شخصياً على دين المسلم (وسوف نبرر هذا الموقف الرافض بعد قليل)... "
"...لو يسمح الإسلام بأذى المسيحيين في مصر لبصق المسلمين في وقت واحد فأماتوهم وكنائسهم غرقا..."
كل هذه الكراهية؟!؟.... ألا يذكركم بشيء؟ إني أكاد أسمع جملا من السابقة كان يهتف بها محاصروا الكنيسة في الإسكندرية.
السؤال الذي راودني هو .. هل اؤيد استمرار مثل هذه الكتابات- كما فعل أغلب المدونون - ، أم أناصر إيقافها؟
الحل ، و هو النداء الذي أوجهه اليوم مؤمنا بأن لي/ لنا دور واجب ، هو العودة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان (اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر1948) و ليكن هو عرفنا و مبدؤنا في التعامل مع الكتابة على الشبكة، لأن الاديان تخضع للتأويل، و للأهواء و العواطف، و لكن إعلان حقوق الإنسان، أعتقد أنه لا غبار عليه، و إن كانت الحكومات و الدول الكبرى تتغاضى عنه كثيرا، فلا يجب علينا العمل بالمثل.
إعلان حقوق الإنسان يمنع بالنص الصريح التفرقة على الاسس الدينية او العرقية او الإثنية،والـ إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد (اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 36/55 المؤرخ في 25 تشرين الثاني/نوفمبر ) يقول :
المادة 3:
- يشكل التمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية وإنكارا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويجب أن يشجب بوصفه انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية التي نادى بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والواردة بالتفصيل في العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان ....
المادة 4:
1. تتخذ جميع الدول تدابير فعالة لمنع واستئصال أي تمييز، على أساس الدين أو المعتقد، في الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في جميع مجالات الحياة المدنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وفى التمتع بهذه الحقوق والحريات .
1. تتخذ جميع الدول تدابير فعالة لمنع واستئصال أي تمييز، على أساس الدين أو المعتقد، في الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في جميع مجالات الحياة المدنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وفى التمتع بهذه الحقوق والحريات .
أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فينص في المادة 19على:
1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.
و هناك ايضا إعلان بشأن المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض علي الحرب ففيه نظام ارى انه عادل و مثالي للتعامل مع كافة اشكال الكتابة.
أعلم ان قد ينظر البعض إلى الإعلان على انه منقوص، او غير كامل، او لا يوازي الكتب المقدسة، او من وضع بشر، او خطة صهيونية/صليبية/امبريالية ، كلَُ و ثقافتة، و قد يكون القائل بهذا على حق، لكني أعتقد أنه لو قرأ الكثيرون الإعلان لآمنوا به.
و ليكن منهجا، فلا ندعم مسلما يسب الأقباط ولا قبطيا يسب المسلمين من منطلق الحريات.
الأستاذ ابو إسلام، قد خرق قاعدة حرية التعبير، و دخل في دائرة من الكراهية و العنصرية بل وأحيانا التحريض على الحرب ، و هو أمر لا اجد من الحصافة ان يدعمه أخوة من المدونين الذين أسهموا و يسهموا في الدفاع عن حرية التعبير و الحقوق المدنية، قرأت مرة تدوينة لعلاء يقول فيها أننا نطالب بحرية الإسلام و حرية الإلحاد، و ألا يُجبر أحد على سلك مسار ديني معين، و لكن امثال ابو إسلام يقفون ضد كل هذا، حتى انه يفخر بأنه اعاد فتاة من إلحادها وعلمانيتها، بمعاونة اباها، و عادت تصلي و تصوم، حتى كل أثنين و خميس، و يتحسر على عدم معرفته لأسماء أساتذتها و زملائها الذين بثوا فيها هذه الافكار العلمانية، و بالتالي مسالة حرية الإلحاد هذه يا علاء لن يكفلها أمثال أبو إسلام.
الكل يكره أفعال الحكومة، الجميع ضدها، و لكن في هذه المرة، أنا مع الحكومة، (لم اكن اتصور انه سيأتي هذا اليوم!!!) ، التي تنفذ المادة 4 في إعلان حقوق الإنسان - دون ان تدري - ، و لو علموا ذلك لكانوا اطلقوا سراحه فورا!
ليس من الحريات إزكاء روح الفتنة و العصبية القبلية في بلد متحضر (المفروض) ، و خصوصا في هذه الايام و نحن على مفترق الطريق.
أؤيد منع كتابات أبو إسلام، و إن كان السماح له بالإستمرار من دواع الديمقراطية، ف ** أُم الديمقراطية!