لا أظن أنه هناك ما هو أكثر غرابة ، من مشاهدة بحيرة طبيعية في قلب القاهرة ، يمرح فيها البط البري ، و صغار السمك..
طبعا باستثناء غرابة القاهرة الحديثة نفسها ، و جمعها لكل هذة المتناقضات بشكل معجز ، لكن أعتقد أن بحيرة عين الصيرة حالة تستحق أن أنحي سيارتي ، و أقف هناك بعضا من الوقت...
طبعا ،البحيرة صغيرة نسبيا ، واطئة عن الطريق ، و فوجئت عندما قال لي العديد من معارفي لاحقا أنهم لم يلاحظوها من قبل ، و الحق انه لمن غير المتوقع بالنسبة لمن لم يزر و يخبر هذه المنطقة ، أن يظن أن هناك بحيرة حقيقية تقبع وسط الزحف الرمادي القاهر للمدينة ، و على يمينه بينما هو يتجاوز سرعة المئة منطلقا غربا، و تبدوا على خلفيتها شواهق بنايات المعادي ، الرمادية أيضا، لذا كان الأزرق في هذا اليوم حدثا جللا.. و خضار الأعشاب التي آواها البط - ذلك الذي لا يحب التصوير - من مصادر بهجة نادرة.
، كنت قد عرفتها من خلال زيارتي لصناع الفخار في المنطقة ، فالبحيرة يعيش على شاطئها الصغير مجتمع من صناع الفخار ، في بيوت صغيرة من دور واحد ، و أكواخ ، حيث يمرح الأطفال، بالرغم من بؤس شديد ، و يصطادون منمنمات من السمك.
كان الناس هناك قد عرفوني لترددي عليهم في الفترة الأخيرة لأسباب شرائية روتينية ... و لكن هذه المرة ، طلبنا الإذن بالتجول و التصوير ، ، و كنا قد شارفنا على موعد الإفطار بسكونه المميز، و لم يمانع أي منهم كبارا و صغارا، نساء و رجال ، من أن يتركوا فتى و فتاة ، يبدوان كأنصاف سائحين ، أنصاف مصريين ، أنصاف أغنياء ، أنصاف صحفيين ، من التجول بحرية ، و إرشادنا إلى خفايا المكان.
يبدوا أن (م) كانت أكثر مني قربا للأولاد الذين تقاطروا عليها لتصورهم ، و الحق انني عجزت عن التعامل مع الأطفال دوما... و لكنهم آثروا أن يتباروا فيمن يأتي بسمكة أكبر ، و يبدوا لي أن أحدهم ، لم يحظى بكبير السمك ، فقام بجمع عشرات من السمك الصغير جدا في شبكته ، و أصر أنه أفضل من الجميع ، مبررا أنه لديه كم من السمك أكثر منهم مجتمعين ، و لم أعرف كيف أفصل في هذا الجدال ، فالحجج قوية!
و ليست لدي أي فكرة كيف استطاع هذا البط البري ، العائش في عائلات صغيرة ، من الإستمرار في كل هذا الصخب القاهري ، و كل هذه المدنية المزعومة ، و كيف يعيش على رمية حجر من طريق الأوتوستراد المدوي... حقا لا أعرف، و قد أخبرني أهل المكان أنهم لا يأكلون منه ، و أيضا لم أعرف لماذا .. !
و لكن أهم ما لفت نظري ، و هو سبب حملي الكاميرا إلى هناك ، هو هذه القباب الغارقة ، مقامات من عصر بائد ، غمر الماء ثلثهم أو أكثر ، و اجتمعت حولهم الأحراش.. و عيدان من بوص ..
و لهوسي بالآثار الإسلامية ، قمت بأرشفة ما استطيع من المقام ، و بحثت عن أصله ، و علمت أنه الأثر الوحيد الباقي من العصر الإخشيدي!!!
نعم.. الأثر الوحيد..
كان هذا وفقا لبحثي السريع ، لكن طبعا هبة تعرف أكثر...
علمت أنه يسمى مقام طباطبا ، و طباطبا هذا هو إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن علي ، و كان من الثوار الزيديين، و بايعه الكثيرون على الإمامة ، و من جملة من بايعة أبي حنيفة الفقية ، و أرسل له أربعة آلاف دينار ليسير في جيشه و يقاتل ، و مات بالقرب من البصرة ، و تسري قصة مقتله (وفقا لمروج الذهب للمسعودي) :
".. وجيء برأس إبراهيم فوضعه في طشت بين يديه والحسن بن زيد بن الحسن بن علي (ابن عمومته) واقف ،و رأسه عليه السواد، فخنقته العبرة والتفت إليه المنصور وقال: أتعرف رأس من هذا؟ فقال: نعم:
"فتى كان تحميه من الضيم نفسه **** وينجيــه من دار الهـوان اجتنابها"
فقال المنصور: صدقت ولكن أراد رأسي فكان رأسه أهون عليَّ!! ولوددت أنّه فاء إلى طاعتي."
و يروى أنه قد حمل "ابن أبي الكلام الجعفري" رأسه إلى مصر ، بل و تذهب الروايات إلى أنه ربما تكون الرأس قد دفنت في المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة!
و قد عرفت عن الاسرة الطباطبية الدعوة للخروج على العباسيين ، و الرضا من آل البيت ، و انتشروا في أرجاء الدولة الإسلامية بما فيها مصر ، حيث من المفترض أن هذا المقام قد ضم بعضا من فقهاء و أولياء آل طباطبا...
طبعا نشكر الدولة ، ووزارة الثقافة على عدم وضع أي لوحة بجوار الأثر ، و في ذلك دفع للشعب للبحث و التقصي ، و زيادة معارفه ، و تضارب مصادره ، فتتأتى الاستنارة ، فشكرا جزيلا..
و أشكر (م) ، التي لولا تشجيعها لما حملت الكاميرا بعد عامين من الهجر ، و رغم رداءة المستوى ، فأرجوا أن أواصل هواية قديمة..
و كنا قد وعدنا الأولاد هناك بأننا سنجلب لهم صورهم ، فلابد أننا ذاهبان مرة أخرى عن قريب..
يبدوا لي أنه بعد ما حدث ، لا بد من العثور على جمال مفقود في المدينة ، على عزاء و سلوى ما، فهي الوسيلة الوحيدة للاستمرار في أرض لنا، و أملا ألا نغرق في بحر مبتور الذراع ، كما غرق طباطبا ، و ظلت قبته تلوح....
طبعا باستثناء غرابة القاهرة الحديثة نفسها ، و جمعها لكل هذة المتناقضات بشكل معجز ، لكن أعتقد أن بحيرة عين الصيرة حالة تستحق أن أنحي سيارتي ، و أقف هناك بعضا من الوقت...
طبعا ،البحيرة صغيرة نسبيا ، واطئة عن الطريق ، و فوجئت عندما قال لي العديد من معارفي لاحقا أنهم لم يلاحظوها من قبل ، و الحق انه لمن غير المتوقع بالنسبة لمن لم يزر و يخبر هذه المنطقة ، أن يظن أن هناك بحيرة حقيقية تقبع وسط الزحف الرمادي القاهر للمدينة ، و على يمينه بينما هو يتجاوز سرعة المئة منطلقا غربا، و تبدوا على خلفيتها شواهق بنايات المعادي ، الرمادية أيضا، لذا كان الأزرق في هذا اليوم حدثا جللا.. و خضار الأعشاب التي آواها البط - ذلك الذي لا يحب التصوير - من مصادر بهجة نادرة.
، كنت قد عرفتها من خلال زيارتي لصناع الفخار في المنطقة ، فالبحيرة يعيش على شاطئها الصغير مجتمع من صناع الفخار ، في بيوت صغيرة من دور واحد ، و أكواخ ، حيث يمرح الأطفال، بالرغم من بؤس شديد ، و يصطادون منمنمات من السمك.
كان الناس هناك قد عرفوني لترددي عليهم في الفترة الأخيرة لأسباب شرائية روتينية ... و لكن هذه المرة ، طلبنا الإذن بالتجول و التصوير ، ، و كنا قد شارفنا على موعد الإفطار بسكونه المميز، و لم يمانع أي منهم كبارا و صغارا، نساء و رجال ، من أن يتركوا فتى و فتاة ، يبدوان كأنصاف سائحين ، أنصاف مصريين ، أنصاف أغنياء ، أنصاف صحفيين ، من التجول بحرية ، و إرشادنا إلى خفايا المكان.
يبدوا أن (م) كانت أكثر مني قربا للأولاد الذين تقاطروا عليها لتصورهم ، و الحق انني عجزت عن التعامل مع الأطفال دوما... و لكنهم آثروا أن يتباروا فيمن يأتي بسمكة أكبر ، و يبدوا لي أن أحدهم ، لم يحظى بكبير السمك ، فقام بجمع عشرات من السمك الصغير جدا في شبكته ، و أصر أنه أفضل من الجميع ، مبررا أنه لديه كم من السمك أكثر منهم مجتمعين ، و لم أعرف كيف أفصل في هذا الجدال ، فالحجج قوية!
و ليست لدي أي فكرة كيف استطاع هذا البط البري ، العائش في عائلات صغيرة ، من الإستمرار في كل هذا الصخب القاهري ، و كل هذه المدنية المزعومة ، و كيف يعيش على رمية حجر من طريق الأوتوستراد المدوي... حقا لا أعرف، و قد أخبرني أهل المكان أنهم لا يأكلون منه ، و أيضا لم أعرف لماذا .. !
و لكن أهم ما لفت نظري ، و هو سبب حملي الكاميرا إلى هناك ، هو هذه القباب الغارقة ، مقامات من عصر بائد ، غمر الماء ثلثهم أو أكثر ، و اجتمعت حولهم الأحراش.. و عيدان من بوص ..
و لهوسي بالآثار الإسلامية ، قمت بأرشفة ما استطيع من المقام ، و بحثت عن أصله ، و علمت أنه الأثر الوحيد الباقي من العصر الإخشيدي!!!
نعم.. الأثر الوحيد..
كان هذا وفقا لبحثي السريع ، لكن طبعا هبة تعرف أكثر...
علمت أنه يسمى مقام طباطبا ، و طباطبا هذا هو إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن علي ، و كان من الثوار الزيديين، و بايعه الكثيرون على الإمامة ، و من جملة من بايعة أبي حنيفة الفقية ، و أرسل له أربعة آلاف دينار ليسير في جيشه و يقاتل ، و مات بالقرب من البصرة ، و تسري قصة مقتله (وفقا لمروج الذهب للمسعودي) :
".. وجيء برأس إبراهيم فوضعه في طشت بين يديه والحسن بن زيد بن الحسن بن علي (ابن عمومته) واقف ،و رأسه عليه السواد، فخنقته العبرة والتفت إليه المنصور وقال: أتعرف رأس من هذا؟ فقال: نعم:
"فتى كان تحميه من الضيم نفسه **** وينجيــه من دار الهـوان اجتنابها"
فقال المنصور: صدقت ولكن أراد رأسي فكان رأسه أهون عليَّ!! ولوددت أنّه فاء إلى طاعتي."
و يروى أنه قد حمل "ابن أبي الكلام الجعفري" رأسه إلى مصر ، بل و تذهب الروايات إلى أنه ربما تكون الرأس قد دفنت في المشهد الحسيني المعروف بالقاهرة!
و قد عرفت عن الاسرة الطباطبية الدعوة للخروج على العباسيين ، و الرضا من آل البيت ، و انتشروا في أرجاء الدولة الإسلامية بما فيها مصر ، حيث من المفترض أن هذا المقام قد ضم بعضا من فقهاء و أولياء آل طباطبا...
طبعا نشكر الدولة ، ووزارة الثقافة على عدم وضع أي لوحة بجوار الأثر ، و في ذلك دفع للشعب للبحث و التقصي ، و زيادة معارفه ، و تضارب مصادره ، فتتأتى الاستنارة ، فشكرا جزيلا..
و أشكر (م) ، التي لولا تشجيعها لما حملت الكاميرا بعد عامين من الهجر ، و رغم رداءة المستوى ، فأرجوا أن أواصل هواية قديمة..
و كنا قد وعدنا الأولاد هناك بأننا سنجلب لهم صورهم ، فلابد أننا ذاهبان مرة أخرى عن قريب..
يبدوا لي أنه بعد ما حدث ، لا بد من العثور على جمال مفقود في المدينة ، على عزاء و سلوى ما، فهي الوسيلة الوحيدة للاستمرار في أرض لنا، و أملا ألا نغرق في بحر مبتور الذراع ، كما غرق طباطبا ، و ظلت قبته تلوح....