٢٣‏/٠٣‏/٢٠٠٩

نهاية الحضارة

في طفولتي ، لم نكن نعرف الدش بعد ، لذا اعتدنا أن نستأجر الأفلام من نادي ڤيديو قريب ، و استمرت الهواية لعدة سنوات ، لدرجة أن وجدت نفسي ذات مساء واقف في المحل و لا أعرف ماذا أستأجر ، فقد شاهدت كل الأفلام.
و كنا قد اعتدنا أن نأتي بالأفلام مثنى أو ثلاثا ، و كنت أهوى الأفلام الدرامية ، أما أبي الذي كان يشاركني المشاهدة - فضلا عن أنه يدفع الجنيهات - كان له رأي آخر ، فقد كان دوما و قبل ان أنزل للنادي لاستبدال الأفلام ، يقول لي بكل روية:
- أحمد ، حاول تشوفلنا أفلام من نهاية الحضارة .
و كنت افهم تماما ما يريد ، فقد كان مولعا بالافلام التي تدور في المستقبل بعد أن تفنى الحروب هذا العالم ، و يعيش الناس في عصور من الهمجية و يرتدون ملابس لامعة جامعة لكل العصور و الثقافات، و حلي و كماليات مذهلة في قبحها و انعدام التمازج ، و عادة ما تصحبهم فتاة بملابس ساخنة ، و لا يخلو فيلم من موتوسيكلات او بدائلها.
مثال لما أعني ،
أو ربما هذا(التريلر)

تذكرت هذه الفترة الضحلة من حياتي بينما أقرأ مراسلات نهاية الحضارة ، التي وضعها بيسو .
فعنوانه: " نهاية الحضارة" هو عنوان قاتم يساير مزاجي ، ووجدت نفسي اتخذه مثلا ، كلما سمعت عن عجيب الأخبار فأقول : يالله ، إنها نهاية الحضارة.
و الحقيقة فإني سُقت كل هذا الهراء بأعلاه لأضع بعض الصور التي صورتها بكاميرا التليفون للأسف ، لأمر استعصى علي فهمه، و لكنه ثبت من وجهة نظري نحو الوطن و العالم و الحضارة.
فبينما انا واقف مع الحاج نصر الكهربائي ، أصلح عطبا في سيارتي القديمة ، و بينما نتحدث في أمور الدنيا و الدين ، لاحظت أنني واقف مستند على عمود خشبي ، تتدلى منه أشياء عدة .
بالتدقيق ، وجدت هذه الأشياء هي : مجموعة من عُلب "لا ڤاش كي ري" الفارغة معلقة في خيط ، و معها منبّه إيقاظ زهري اللون ، و أسفلها كيس من الملح متدلي بخيط في نفس العمود ، بينهم أوراق شجر بلاستيكية ، و قاعدة عبة حلاوة طحينية بلاستيكية، و بأعلاهم رأس فيل دمية . كما في الصورة:

المتأمل للوضع سيشاهد ألعابا تجلس في الأرض حول العمود ، و أمامها علب ملآي بالماء لتشرب او زجاجات قديمة مملوؤة ماءً أيضا.
خفت في الحقيقة .
قلت للحاج نصر: ايه ده يا حاج؟
قاللي: ده جارنا ، المحل اللي جنبنا ، بقاله مُدة بيعمل حاجات غريبة قدام المحل.
نظرت أمام محل جاره المغلق ، و شاهدت ما ذكرني تماما بأشرطة الڤيديو القديمة تلك. فقد قام الرجل بجمع كل ما تيسر له من أشياء و ربطها ببعضها على الرصيف أمام دكانه المغلق وفقا لتتابع و منطق لا يعلمه إلا هو و الله تعالى، و بعد ذلك قام بوضع بعض النباتات لاغلاق هذا الجزء من الرصيف حكرا لعالمه الخاص هذا.
سألت عن الرجل ، قالوا لي انه كان ضابطا سابقا ، و لكنه انهى معاشه، و كان له هذا الدكان في المنطقة مغلقا ، فعاد له مؤخرا، و أصبح الآن لا شاغل له سوى تنميق المكان بل و المبيت فيه احيانا. و لا يمارس من خلاله أي نشاط تجاري كان.
فوق زجاجة الزيت الحمراء توجد بطة صفراء


و المدقق في الصورة السابقة - وهي للركن الايسر من ارض الرجل - سيشاهد انه قام بتجميع ما تيسر من كسر الرخام ، و كسر المرايا ، تلك المرايا يسمونها العمال بالمنطقة : الرادارات ، لانهم يظنون أنه يراقبهم من خلالها حسبما حكوا لي. فضلا عن كم رهيب من الفلين ، و الزهور المجففة.
على عتبة مدخل مساحته هذه ، وضع عدد من الاواني البيضاء و ملأها بالماء ، فضلا عن قطع فلين قديمة
، و طبعابعض الزرع المجفف ، ناهيك عن الصبارات التي استخدمها كحاجز.


تلك الشجرة التي تظلل فنائه ، قام بتعليق شيئين عليها ليتدليا من غصونها،
على اليمين حبل فيه : شكل لطائر من الموكيت ، آية قرآنية ، مشابك غسيل عديدة.
اليسار : حبل يمسك صفحة من نتيجة تحمل صورة أبي الهول (لا تظهر لانها ملتفة هنا)


و هكذا ، اعود إلى نقطة الأصل : "نهاية الحضارة" فحيثما تعلمت في طفولتي ، فإذا اجتمعت هذه الصور في مكان واحد ، فإنها تعني أن العالم قد فُني ، و أنه لا بد من تدميره و إعادة بنائه . مستخدمين دراجات نارية ، و ملابس عشوائية ، و فتاة شرسة بملابس ساخنة.
و لهذا لم استغرب أن قابلت صديقة صبيحة اليوم التالي ، و قالت لي عن حلم رأته ، فقد رأت فيما يرى النائم و كأنها دخلت مكانا ما ، فوجدت اصدقاء و معارف يمسك كل منهم بلطة صغيرة فسألتهم عن حالهم و سبب تجمعهم فعلمت انهم مجموعة للتضامن مع غزة و لكن بشكل جديد ، و ذلك عن طريق ان يقطع كل منهم اصابع قدمه، و كان - وفقا لحلمها هذا - يتزايد حجم دعمه للقضية بعدد الأصابع التي يبترها. فكان قائدهم هو من قطع ثلاثة أصابع من كل قدم.
صاحت صديقتي ، و قالت لهم ان هذا الفعل لا يخدم القضية ، قالوا انهم يعرفون ، و لكنه فعل رمزي للاحتجاج.
و بينما تستطرد صديقتي متحدثة عن اشخاص بعينهم في الحلم ، و عمّا قالوه و ما ردت به ، وجدتني اتجاوب معها و مع ردود الناس .. فقد فقدت لوهلة تركيزي ، و تعاملت مع القصة على انها حدثت بالفعل.
و لكنها عندما عادت تحكي عن البلطة ، تذكرت أنه حلم ، قلت في نفسي:اهدأ يا احمد ، الفتاة تروي لك هلوساتها ، هذا لم يحدث بالفعل ، هذا ليس موجودا ، و نهاية الحضارة لم تأت بعد.
فاهدأ قليلا ، و تجرع بقية البيبسي.



The End - The Beatles

هناك ٤ تعليقات:

  1. غير معرف٣/٢٤/٢٠٠٩

    أتخيل هذا الرجل، الذي يبدو اضطرابه جليا ومؤلما من الصور، أتخيل أن يرى صور ساحته وقد استبيحت للتحليل والتعليق، ألا نحتمل شخصا مضطربا يتصرف في نطاق ملكيته الخاصة دون ان ننال منه؟إنها نهاية الحضارة فعلا، لماذا لا تتركه في حاله؟

    ردحذف
  2. يبدوا أن هذا الرجل يحضر حاله لحرب شعواء مع سكان كوكب بلوتو مستخدماً قنابل (لا ڤاش كي ري) الفتاكه للهجوم بينما تقوم قاعدة علبة الحلاوه الطحينيه بالدور الدفاعى.أرى أنه من الواجب مساعدة الرفيق فى معركته وإمداده بالأسلحه الهجوميه المتطوره من طراز (ميلكانا.وطعمه ميلك)

    ردحذف
  3. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  4. عندما دخلت فيلم لمحمد سعد في الثالثة صباحاً ووجدت أطفال في السينما وعائلات يضحكون بشكل هستيري شعرت إن ناية العالم حصلت من زمان...

    ردحذف

المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO