٠١‏/١٠‏/٢٠٠٨

نوستالچيا الجســر




كان الكوبري طويلا جدا ، حارا ، مكتظا بكل شرائح الأمة، و كنت اقطعه في اليوم مرتين.
حوالي ساعتين يوميا فوق الكوبري ، خلال اربعة أعوام . وحيدا ، لا شريك لي سوى سيارة قديمة متهالكة ، بلون طوبي باهت.
أحببت فتاة . و قدت منتشيا بها ، بطول هذا الكوبري ، و داخل ذات السيارة.
بكيت نفس الفتاة نهارا و ليلا ، وحيدا مستصغرا ، في نفس سيارتي المثابرة.
احببت أخرى ، و بكتني هي يوما إلى جواري ، في ذات الطريق ، و ذات السيارة.
ثم التقيت بأناس عشقتهم ، وودعتهم منها ، و ربما كانت آخر ذكرى لي في عقولهم ، ذكراي متحركا ببطء بسيارتي عالية الصوت في عباب المدينة.
شاهدت قصصا عدة و أنا اقود ، كتبت عن بعضها هنا ، و تجاوزت عن الكثير لاعتبارات ما.
تلقيت أخبارا عن مستقبلي ، و عن ماض دفنته ، في مقعد القيادة الحار عادة .
فقدت أحلاما إلى الأبد ، و بنيت أحلاما أخرى ، و أنا ممسك بهذا المقود الاسود الثقيل.
و على طريقة ميلودرامية اعتنقتها لفترة ، بدلت من توجهاتي ، و اعتنقت أفكارا بعينها ، و القيت بأخرى بعيدا بينما اقود فوق كوبري اكتوبر المزدحم ذاته.
هجرت شرق القاهرة ، و عشت في داخل المدينة ، قل التصاقي بالعربة ، ثم فضلت المسير أو ركوب المواصلات لأغراض بيئية بحتة.
تناقص اهتمامي بالعربة ، التي كثر عليها التراب في حيي الجديد العتيق.

و الآن ، وجدت انني متنازل عن سيارتي لشخص عزيز، تارك ماض كامل بداخلها ، تارك قدرتي على تذكر أحداث شكلت حياتي خلال خمسة أعوام ، سأقتني سيارة أخرى ، أقل ضررا بالمدينة ، و أكثر رفاهة و برودة ، معدنية بلا ذاكرة ، و برائحة مصطنعة مجلوبة من محطة بنزين تتشابه فيها الروائح ، و اشكال السيارات.

لماذا ترتبط الاشياء بتواريخها؟ و لماذا تتحول الأحداث إلى أنين شعري بعد سنوات؟

الصورتان من فليكر : ١ و ٢

لا أعرف لماذا أتذكر الأن يوم كنت في السيارة ذاتها ، مع صديق عراقي أوصله لبيته القاهري القسري
بدون سب سألني: هل تؤمن بالحياة ، أم بالشعر؟
قلت: أؤمن البحياة..
فالتفت لينظر نحو الشارع القاهري المزدحم ، و على وجهه أثر خذلان بسيط.


هناك ٤ تعليقات:

  1. غير معرف١٠/٠٢/٢٠٠٨

    هللويا . يالله . كم احب هذه المدينة . انظرو الى شوارعها اليوم . انظرو الى الناس بنصف اغماضة . انظرو الى الى خط الدخان الاسود الممزوج بالافق كم يشبة ارواحنا . كم هي رائعة انظرو اليوم الى شوارعها . لاتصدقو كل صفارات سيارات الاطفاء . القاهرة واحدة من اروع المدن بالعالم . صدقو بارصفتها .

    ردحذف
  2. معدنية بلا ذاكرة ، و برائحة مصطنعة مجلوبة من محطة بنزين تتشابه فيها الروائح ، و اشكال السيارات
    ===

    شكرا على ما تكتب..
    تعيد إليّ بعض الأحاسيس التي أفتقدها
    حتى وإن كانت مؤلمة

    تحياتي!

    ردحذف
  3. انا كمان بحبها
    اصلها منورة بأهلها

    ردحذف
  4. ذكرياتنا نتركها راضين لاعزاء لدينا .. ثم نبتاع غيرها سنهديها يوما لاعزاء اخرين.. هكذا هي اذن!!

    ردحذف

المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO