١٤‏/٠١‏/٢٠٠٨

أزمنة الحرب


-أ -
صديقة لي ، تدرس في الولايات المتحدة ، أرسلت لي منذ عدة أيام صورة لملصق وضع علي ثلاجة شقتها المشتركة مع طلبة آخرين
الورقة هي قصاصة لتحث قارئها على ممارسة حِمية غذائية أو ريچيم ما ، المدهش فيها هو المدخل الذي تنهجه هذه القصاصة ، تقول:


" إجعل أميركا فخورة أعداؤنا يريدون رؤيتنا ضعفاء ، و عاداتنا الغذائية تجعلنا نبدوا كذلك ،الناس
تأكل المزيد من الوجبات السريعة و ما شابهها .
الأكل الترفيهي و بالذات عندما تتناول الطعام الخاطيء
، يخلخل الحياة الصحية،و لا يترك لنا شيئا واحدا نقدمه لوطننا ، كلما كنا أقوي كأفراد ، كنا أقوى كأمة.

أندرو ويل "


كما هو واضح ، الورقة موضوعة علي ثلاجة في مدينة أمريكية في يناير ٢٠٠٨ ، ورغم أنها ليست من زمن النازية ، أو حتى الحرب الباردة، إلا تتكلم بوضوح عن : أعدائنا.
جعلني هذا أفكر في الدعاية ، و الپروپاجاندا التي كانت تطلقها الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية ، بالذات في بدايات الأربعينات ، و أتأملها ، أجد أن لغة الخطاب تقريبا لم تتغير بعد مضي ستون عاما.

هذا إعلان من صحيفة نشر إبان الحرب عام ١٩٤٤

الولايات المتحدة تريدنا أقوياء ،
تناول الأطعمة الطبيعية كل يوم

أن تقوم بريچيم غذائي لاسباب وطنية هو أمر شديد الطرافة في رأيي ، و لكن الأمر أثارني ، و جعلني أفكر في نوع الدعاية للحرب التي كانت تقدمها الحكومة الأمريكية لبسطاء الناس من مواطنيها ، و بالذات ربات البيوت ، و كيف تتلاعب بعواطفهم ، و ربما بآفاقهم المحدودة ، تاركة ميراث من تراث دعائي أظن أنه لا بد من التوقف عنده ، و إعادة قراءة المواطن الاعتيادي الامريكي من خلاله ، و كيف وصل الحال بعد ستين عاما ، لاستخدام نفس المفردات تقريبا مرة أخرى.
كانت هناك حملة ضخمة لحمل ربات البيوت على توفير الدهون المستخدمة في الطهي ، و إرسالها للجيش ليصنع منها النتروجلسرين و القنابل ، أما عن كيف أقنعوهن بالمشاركة في مسألة دموية كهذه ، فالملصقات تتفرد بالقصة.


ملعقة واحدة من بواقي الدهن
تؤمن ١٥٤٢ دانة مدفع سلمي بقايا دهون مطبخك الان


آخ من ربات البيوت الأمريكيات
"إنهن يردن الأمر صعوبة علي ، و على جيشي"
بواقي الدهون مطلوبة علي وجه السرعة ، احضرن ما لديكن الآ
ن



الموجود أعلاه هنا ليس خطابا حقيقيا ، و إنما اعلان في جريدة عام ١٩٤٢

"أمي العزيزة ، إن البارود الذي استخدمه هنا مصنوع من الجلسرين ، و الزيوت و الدهون التي تتبقى من بعد عمليات قليك و تحميرك تصنع الجلسرين ، هل من الممكن أن تحوشيهم من أجلي يا أمي؟ مجرد ملعقة واحدة كل يوم سوف تفيد ، و سلميها للجزار حينما تكتمل عبوة ، إن استمرارك في التحمير هو خير وسيلة لمساعدتي ، افعلى ذلك اليوم ، يا أمي.
محبتي ، چو"

لا تستمعي لكلام السيد تشكلجروبر (اسم عائلة هتلر) ، و في الرسم ينصح
هتلر ربة المنزل برمي الدهن ، لكنها تنهره ، و تشرح فائدة الدهن للقاريء ،

لن استفيض في الترجمة لتفاهتها المتناهية.


هذه هي المفضلة لدي ، يقول " مطلوب سم فئران" ، و يشرح كيف يستغل
الدهن لصناعة البارود لقتل الفئران (اليابانيون هنا)

و لاننسى حملة الورق ، حيث طلب من الأمريكان عدم اهدار الورق ، لحجة غريبة جدا ، أنه يستخدم كحلقات للطوربيد ، و لقذائف الطائرات ، لا أعرف جدوي ان يدخر الامريكيون الورق ،خصوصا بالنسبة لحرب كلفت الولايات المتحدة أكثر من ١١٢ مليون دولار يوميا بحسبة الأربعينات ، و قدرت التكلفة الكلية بـ ٢٨٨ مليارا ، و لا اعلم سبب تعمدهم للضغط على الشعب لتوفير الورق الذي غلفت به القنابل التي القتها الطائرات على المدن حول العالم في حرب حالكة.

يقول الاعلان: حلقات القنابل تصنع من الورق ، هناك نقص شديد فيه.


قراء هذه المجلة وحدهم بإمكانهم توفير ورق يكفي لصناعة
٥٠٠ باوند من القنابل ، و صورة لفتاتان توفران الورق
سؤال ، هل للصورة أي بعد جنسي خفي؟ أم أنها فقط إحدى مشكلاتي النفسية؟



- ب -
هناك أيضا إعلان غريب جدا ، عن موضوع أغرب ، و هو السلاح ، فطالما أننا قد تطرقنا لمسألة أن قذف الناس بالقنابل (مهما كانت دوافع الحرب ) هو أمر يستخدم دعائيا بدم بارد ، فهناك هذا الملصق البديع .
يقول:
"إن التاريخ الأمريكي كله قد بني و استمر علي يد حملة سلاح مدربين ، أولئك الذين يصوبون و يضربون أسرع و أدق من أعدائهم ... اليوم و نحن في عام ١٩٤٣ فإن أقل من ٢٪ من المجندين يعرفون أي شيء عن السلاح!”
علامة التعجب من لديهم ، و ليست من عندي
هذا الاعلان

و يستطرق قائلا "شارك سلاحك مع جارك" و برنامج لتعليم المدنيين فوائد حمل السلاح . طبع برعاية هيئة السلاح القومية ، إن آر إيه ، التي واجهها مايكل مور في فيلمه الشهير في الألفينات.

- جـ –
التوعية القومية تشمل عادة حشد الناس و تجنيدهم لصالح آلة الحرب ، إما ماديا أو على الاقل ذهنيا و هي غاية أساسية لحملات كهذه ،أقصد أن القاريء قد لا يوفر دهن البيكون ، و قد لا يعيد صحف النيوزويك و مجلات الكوميك ، لكنه حينها سيشعر بداخله أنه قد خان شأنا عاما ، و أنه قصّر بشكل ما ، و بالتالي يتم تحويله لداعم صامت للحرب ، و سيتكلم عندما تتفاقم الأزمة ، و ربما سيحِمل وزرها بداخله، لأنه لم يكن من المشاركين.

و قد حدث أن قامت الحكومة بتعيين علامات تجارية و ماركات بعينها و اعتبرت أن هذه الماركات داعمة للجيش الامريكي ، و هناك قائمة لا تنتهي من الملصقات تدعوا الشعب لأن يشتري أكثر ، و ينفق أكثر ليدعم الجندي علي الجبهة. و القائمة طويلة ، و لا مجال لذكر العلامات التجارية (التي اصبحت من اسس الصناعة الأمريكية فيما بعد).

الملصق لمحل ملابس ، يقول : الجندي يقوم بواجبه ، قم أنت بواجبك
ادعم الهجوم ، اشتري أكثر من المعتاد!


الفتاة المزارعة تقول : "إنني أدخر لأذهب للجامعة ، و لأشتري لپيت الرصاصات!”



هنا الملصق يخاطب المهاجرين الذين ينزلون لنيويورك - بملابسهم الشعبية - يقول:
"الغذاء سينتصر الحرب

لقد أتيتم إلي هنا بحثا عن الحرية ، لذا فيجب عليكم المساعدة في الحفاظ عليها
القمح مطلوب لقوات الحلفاء ، لا تهدروا شيئا"


و الاتي هو أغرب إعلان ، و الرجاء التدقيق
صورة لجندي أمريكي ينام مسترخيا ، و أمامه فتاة افريقية عارية الصدر تقوم بتهويته.


" كل شراب من شرابات إنترووڤن ، هو شراب جيد ، قد يمكنك أن تشتري هدية أغلى لوالدك في عيد الأب ، و لكنك لن تستطيع شراء شيء قد يخدمه بشكل أفضل"
لا أفهم.

- ختام -
حسب علمي ، مصر كانت موقع محوري للحرب ، و لا يمكن سوى أن نعتبر العلمين من المعارك التي حددت نهايات الحرب الطويلة . في العلمين وقعت معركتين بالمناسبة و ليست واحدة ، و لكن الثانية هي الأكثر تأثيرا ، و هي التي منعت الألمان من غزو مصر ، و بالتالي التحكم في قناة السويس ، و من ثم التحكم في بترول الخليج.
معركة العلمين الثانية كان اجمالي الجنود ٣٣٦ ألف مقاتل في بقعة واحدة ، و مصر كانت على مشارف المعركة ، و قد يتم اجتياحها في أي لحظة من قبل الألمان و الفاشست و ربما حلفاء آخرين في أكتوبر ١٩٤٢

و لكن بنظرة سريعة للمجتمع القاهري ، فقد كان هناك ذعر بسيط نسبيا بين أثرياء اليهود خوفا من النازي ، و عموما كان هناك حالة قلق و ترقب شديدة ، و لكن أبدا لم يتم تكريس مصر للحرب . و استمرت السينمات تعرض أفلام محمد كريم ، و توجو مزراحي ، و نيازي مصطفى ، و احمد جلال، و أحمد بدرخان ، و كانت القاهرة في وضع أكاد اوصفه بالعادي ، و لم تتاجر الحكومة بشعبها ، أو بعواطفه ، و هو الشعب الغني وقتها– اقصد قياسا لاجمالي الناتج القومي - و المنتج و المصدر، القادر على صنع اقتصاد قوي.
مرت الحرب الضروس الجارية على عتبات الدار بسلام ، و بالكاد شعر أهل الدار بانزعاج.
لا أعلم لماذا لم أجد ملصقات و پروپاجاندا مشابهة ضمن مجلات قديمة من اتي دأبت على جمعها.

عموما ، حتى لا أكون قد عرضت الجانب الأمريكي فقط ، فهذه دعاية مضادة من ألمانيا ، تصور الجندي الأمريكي الذي يحاول السيطرة علي العالم ، و لكن....

اليوم لا أنظر لهذه الملصقات كنوستاچيا أبدا ، يبدو أن الحرب قد استمرت وقتا أكثر بكثير مما ينبغي.
أكثر بكثير.

هناك ٨ تعليقات:

  1. متعة متعة متعة .. مهووس انا ببوسترات الحرب و البروباجندا .. كان حظي حلو ان اول حاجه افتتح بيها اليوم التدوينه دي .. فعلا بوسترات عظيمة

    دي لينكات كنت لاقيتها لبوسترات البروباجندا الألماني و السوفييتي ضد امريكا و ماتمثله في الحرب العالميه و الباردة على الترتيب افتكر حايعجبوك :
    http://sovietposter.blogspot.com/
    http://www.calvin.edu/academic/cas/gpa/posters2.htm
    http://en.wikipedia.org/wiki/Image:Liberators-Kultur-Terror-Anti-Americanism-1944-Nazi-Propaganda-Poster.jpg

    و طبعا شكرا جزيييييلا عالغنوه .. من ساعت ماشفتها في الفيلم و انا بادور ع التسجيل ده .. صباح جمال التسجيل و السطل اللي فيه .

    ردحذف
  2. ايوه بس مصر لم تكن متورطة بقوة في الحرب العالمية الثانية
    بالعكس فيه ناس كتير واحزاب وحتى اشاعات عن الملك فاروق نفسه كانوا مؤيدين للألمان
    واعتبروا ان مجيئهم هيكون رحمة لذلك لم تعمل البروبجندا بالرغم من ان كان فيه جنود مصريين
    --- ---
    بس لو مهتم بشغل البروبجندا المصري
    عليك وعلى جرايد ومجلات سنة 56
    حاجة بديعة
    تحية كاريوكا ونعيمة عاكف كانتا في المقدمة

    ردحذف
  3. لا ، طبعا بروباجاندة نظام عبد الناصر حاجة تستحق مدونة بحاله مخصوص...
    أنا باحصر تساؤلاتي في ظرف الحرب العالمية ، اللي أمريكا فيها لم تكن أصلا ساحة حرب باستثناء بيرل هاربر ، في حين أن مصر كانت ساحة حرب ، و حتى الآن لا أجد دعاية سواء مع أو ضد الألمان ، باستثناء مقالات في الصحف الكثيرة جدا وقتها ، و لكن ليس من ملصقات أو صفحات تخاطب الشعب و ربات البيوت ، لهذا أتعجب ...

    ردحذف
  4. البوسترات ملفتة جدا..اعتقد ان البوسترات دى تقدر تخليك تتأمل فى طرق صنع الدعاية اثناء الحرب وتطورها بالشكل ده.. الملفت جدا بالنسبة لى ان الدعاية لازالت تحافظ على كومديتها وابتذالها حتى الان.. على الرغم من من عدم اشتراك الامريكان كساحة حرب لكن كان فيه عقلية قادرة توظف وترمى عدد ضخم من القيم ومن نماذج الاستهلاك اعتقد ان مصر ساعتها مكنتش مهتمة اوى بعمل حالة تعبئة شعبية بالشكل ده ..ممكن القرار السياسى مكنش واضح مش عارف ممكن كمان القادرين على صنع الدعاية بالشكل ده كانو مختلفين فى مصر

    ردحذف
  5. إذا قدرت تلاقي أعداد مجلة المختار, الترجمه العربيه للريدرز دايجست
    Readers Digest
    أعداد 1942ـ1945

    هتلاقي مقالات و بوسترات كتير جدا عن الحرب العالميه الثانيه

    لكن حتى و هي مترجمه, واضح إن لهجة الكلام ليست للجمهور المصري

    الواضح إن مصر,حكومة و شعبا, كانو مجرد خلفيه ساكنه, المدهش إن لا السراي و لا الأحزاب نجحوا في الحصول على أي مكاسب إنتهازيه من ظروف الحرب

    ردحذف
  6. غير معرف١/٢٤/٢٠٠٨

    ديزني أيضاً كان متورطاً في تلك الدعايات.
    موضوع توفير الدهون من أجل القنابل تم إظهاره في فيلم كارتون قصير شاهدته من 3 سنوات. و هو من بطولة ميمي و الكلب بلوتو.. و ترى ميمي و هي تقوم بتوفير الدهون من لحم الخنزير و يساعدها بلوتو.

    ليس هذا فقط.. كل أبطال الكارتون الأمريكيين تورطوا في أفلام قصيرة كدعاية للحرب أو للسخرية من الألمان و اليابانيون.. بطوط و ميكي و الأقزام السبعة و باجز باني و غيرهم. هناك مشاهد تحريك أخذت كما هي من فيلم سنووايت و الأقزام السبعة و تم استخدامها في فيلم قصير يدعو الأمريكيين لشراء سندات لمساعدة الجيش الأمريكي في الحرب. منها أفلام في غاية العنصرية قامت ديزني باخفاءها سنوات إلى أن ظهرت على يد الكثير من محبي الكارتون و المهتمين بتجميع الأفلام النادرة. أظن أن هناك الكثير من هذه الأفلام على يوتيوب.

    بالطبع دور ديزني في فترة المكارثية كان أحقر . الرجل رغم عبقريته في مجال الكارتون. فإنه لم يكن ذلك المبتسم اللطيف الذي نقرأ عنه في ميكي جيب!

    ردحذف
  7. كلمة one في الدعاية أظن المقصود بها شخص و ليس شيء ، كده المعنى يكون ملائم أكتر

    ردحذف
  8. موضوع رائع، ومدونة رائعة!

    ردحذف

المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO