ثارت الشعوب، و خرجت من سباتها ، تندد تارة، و تهاجم تارة، و تعتدي تارة على منشآت غير إسلامية؛ تلك الشعوب التي لم تتحرك عند غزو العراق ، أو عندما كشرت الولايات المتحدة عن نابها الاستعماري الجديد، تلك الشعوب التي لم تتحرك حتى عندما زوِّرت انتخاباتها، و اختير أعضاء لم ينتخبهم أحد، أو عندما أغرق الفساد المتفشي ألف مصري في دقائق ... ظلت الشعوب قابعة في أماكنها...ولا أتحدث عن بضع مسيرات (مظاهرات) هنا أو هناك، و لكني أعني التحرك الشعبي الذي احتوى كل السلم الاجتماعي / الثقافي... لم يحدث ذلك، و لكننا أثبتنا أن أنظمتنا استطاعت - و بفاعلية أنحني لها تبجيلا - أن تمحي من رؤوسنا الحس التقديري، و قدرتنا على التمييز و التقييم و من ثم وضع مشاكلنا في نصابها الصحيح، فأصبحنا نجد المصريين و قد خرجوا بمئات الآلاف يهللون لفوز الفريق القومي، و يلتفون في العلم الذي أضحي ثمينا لأول مرة، هاتفين بحرقة: تحيا مصر.... و عشرات الآلاف في كل مكان ينددون بالصحيفة الدانماركية التي نشرت، بلغتها المحلية و بعدد نسخ محدود جدا إذا قارناه بالأهرام مثلا، رسومات اعتبرها البعض مسيئة .و تعالت صيحات تصف الفعل بأنه " عمل قذر" أو " تكملة لمؤامرة بدأت من ألف سنة" أو " حملة صليبية جديدة"... و هذا هو ما أردت الحديث عنه
مسألة الحرب الصليبية و المؤامرة على الإسلام هذه هي أكثر ما أقلقني في تداعيات الحدث، و قد قرأت في صحف واسعة الشعبية ، كالأهرام و غيرها، أن الغرب يسعى جاهدا من أجل القضاء على الإسلام تماما. و هذا هو ما دفعني للكتابة، فهذا التفسير الطائفي الجديد الذي كثيرا ما نسمعه حتى أصبحنا لا نعيره التفاتا من كثرته هو أمر شديد الخطورة، و له تبعات أعتقد أنها ستكون تدميرية ، خصوصا على الأقباط
الأقباط هم طائفة أصبحت قلما توضع في الحساب عند التحرك السياسي أو الشعبي، و كأنهم على هامش الرأي الشعبي. حقا نجد مقالات من قسس و رجال دين مسيحي في الصحف، و جميعهم يندد بالرسوم، و أعتقد أن لهذا تفسير هام، و هو أنه إن لم يثبت الأقباط بكل السبل و الأشكال انهم ضد هذا الحدث ، فسيتم حسابهم في صف الغرب " الصليبي " حسب التعبير الذي شاع . و لكن هل سيؤدي هذا حقا إلى حدوث مشكلة؟... أقول نعم بدون أي شك، فالعالم العربي أصبح مرتعا للطائفية بكل أنواعها، و لنرى ما حدث في العراق بعد تفجير الضريح، و لنر أحداث محرم بك، و لنشاهد صورة رجل يطعن راهبة عجوز لأن شبابا غير مسؤولين قاموا بتمثيل مسرحية ساذجة عرضت في أضيق نطاق ممكن. بل و يمكن اعتبار أحداث نيجيريا بروفة على ما أخشاه، و تقول عنها بي بي سي:
"وقد بدأ العنف في البلاد الأسبوع الماضي بمظاهرات نظمها مسلمون في الشمال احتجاجا على الرسوم الساخرة التي نشرتها صحيفة دانماركية ثم أعادت نشرها كثير من الصحف في الغرب وبعض الصحف في الشرق. وقد أسفرت تلك المظاهرات عن مقتل نحو ثلاثين مسيحيا في بلدتين تسكنهما أغلبية من المسلمين. وبعدها وعلى مدى يومين شن المسيحيون هجمات انتقامية فقتلوا أكثر من ثمانين مسلما."
علما بأن في نيجيريا الطائفتين متساويتا الأعداد... و لأجل أن أكون أكثر وضوحا، فلننظر للتاريخ، و سآخذ مسألة اليهود المصريين مثالا.
فاليهود - كانوا طائفة في مصر منهم النواب و الوزراء و رجال الأعمال و الفقراء أيضا (و هم الأكثرية بالمناسبة) - قد حظت بحريات كبيرة في بداية القرن. و حتى بعد ثورة يوليو، فقد أولى الرئيس محمد نجيب اهتماما كبيرا بهذه الطائفة، و قد ظلت الطائفة - بشقيها الدينيين- تعلن أنها ضد أي هجوم إسرائيلي على مصر، و أعلنت مرارا و تكرارا أنهم مصريون، و ضد ما يحدث في إسرائيل، و حتى بعد أن قامت عناصر الإخوان بإحراق المعابد و المنازل بحارة اليهود سنة 48، اعتذرت الحكومة ، و أعادت إصلاح التلفيات
(الرئيس نجيب في معبد اليهود القرائين بالعباسية 1953)
إلى أن أتى عام 56، و كان الفيصل، إذ لم يستطع الشعب كبت غضبه، و تأججت نيران طالما ظلت محبوسة في قلوب الجميع - خصوصا و أن كثير من اليهود كانوا هم اكبر مستثمرو و تجار هذا البلد - و غضت حكومة عبد الناصر الطرف، و لن أبالغ إذا قلت أن حكومة ناصر قامت بالضغط لإجلاء اليهود، و الذين أثبتت الأيام أن 60% منهم لم يدخلوا إسرائيل، و الـ40% الآخرين منهم من آمن بإسرائيل و ذهب، و منهم من كان أكثر فقرا و عدم دراية باللغات الأجنبية من أن يعيش في أوروبا، فكانت إسرائيل ملاذا له، و علمنا أن الحكومات العربية قامت بتمويل إسرائيل بأكثر من 60% من طاقتها البشرية. و الغريب أن المصريون منهم مثلوا 1.7% فقط.
و يمكن الاستفادة من كتاب د. محمد ابو الغار (يهود مصر) عن دار الهلال ، أو مؤلفات عرفة عبده علي من مدبولي. أو كتاب الأمريكي جول بينين - متاح هنا
و الخلاصة أن يهود مصر خلال ثمان سنوات فقط تحولوا من أعمدة إقتصادية إلى مواطنين غير مرغوب فيهم، و في كثير من الأحيان عملاء و طابور خامس، و كان هذا الرأي صائبا في بعض الحالات
حولت قضية فلسطين رأي الشارع المصري، و تأججت القومية و العروبة في وجه الأطماع الإسرائيلية،و كأن العروبة تقتضي ألا يتواجد في البلاد يهودي، حتى و إن كان يرفض دولة إسرائيل
وأنا لا أتحيز للقضية اليهودية بعينها، و لكنني ضد وضع كل طائفة في سلة واحدة، ضد أن نحسب كل يهودي صهيوني، و كل مسيحي صليبي، و كل مسلم إرهابي، ألسنا نعاني كمسلمين من ضيق نظرة الغرب لنا و تأطيرنا في صورة واحدة؟، فكيف نقوم بالمثل؟! إن علاقتنا بالغرب قد بدأت تأخذ منحى قسريا، قالت لي صديقة أوروبية: كيف تعتقد أن يكون شعور المواطن الأوروبي و هو يشاهد علم بلاده يحرق في التلفاز؟
( حرق العلم الفرنسي أمام السفارة في اسطانبول)
ووصل الأمر إلى حالة من التخبط ، و أثبت العرب/ المسلمون أنهم شعب عنيف و عاطفي ( و هما صفتان من الخطورة جمعهما) ، كما اثبت أنه لا يعرف الفردية و سلطة الواحد أو المؤسسة، و أصبح إذا نشرت صحيفة دانماركية بلغة محلية رسومات مسيئة، فعلى الحكومة الإعتذار، و يحرق فرع دجاج كنتاكي في باكستان! و كأن الغرب كيان واحد (مسيحي/صهيوني) و نحن كيان واحد (إسلامي)، و بالطبع قد ربينا على ذلك، فعندما قام العراق بغزو الكويت، نهج الأردنيون و الفلسطينيون نهج حكوماتهم، (و قد رأيت ذلك بنفسي)، بينما تبع المصريون و السعوديون حكوماتهم! و كلما أفكر في ذلك أجده منطقيا، فقد اعتدنا أنه إذا أخطأ شخص ما ، "فالكلام يكون مع كبير الناس دول"...، و الشخص؟؟!... تحصيل حاصل.
أرى الفجوة بيننا و بين الغرب تزداد اتساعا، فلا نفهمه، و لا يفهمنا،و إن كان هو الذي يبذل الجهد الملحوظ للتوافق، و لكن النتاج: صفر، فالبعض يرى ضرورة الحوار، و الآخر يرى حتمية صدام الحضارات، ولكن لي رأي آخر، و قد يكون سوداويا ، اعتقد أنه – إذا استمر المناخ الثقافي على هذا الحال - لن يحدث وفاق ولا صراع، الغرب سينفض يده من المنطقة – باستثناء المصالح التجارية – و سيتم قطع المساعدات و المعونات تدريجيا، و سيتم – و هو ما بدأ بالفعل – إغلاق الحدود في وجه العرب و المسلمين، نابذين إياهم في هذه المنطقة، ليكونوا بؤرة تفجر نفسها بنفسها – و قد بدأ أيضا بالفعل – فالثمن الذي قد يدفعه الغرب للحوار أو للصراع كلاهما فادح، و قد ثبت أننا "مش بتوع حوار
لبنان
كابول
اسطنبول
عودة إلى المسألة الطائفية، كنت مع سواق تاكسي كالعادة و دار حوار
السائق: مش حرام الناس اللي ماتوا في العراق النهارده دوول... يا أخي كـ* أم الأمريكان
العبد للـه: كـ* أم الأمريكان فعلا.. بس اللي ماتو دول كانوا في تفجير عربية جوة سوق .. مسلمين اللي نفذوها
(السائق: واللّي ماتو؟!؟ ( في حزن مفاجيء
العبد للـه:مسلمين بردو... بس شيعة
(السائق: الحمد لله...! ( عادت له الإبتسامة
طبعا أنا في غِنى عن أن أشرح تعجبي من سعادة سائق أجرة في ضواحي القاهرة من موت بعض الشيعة في البصرة، و هم لم يؤذوه قط ، بل و مؤكد أنه لم يقابل شيعيا في حياته. و أعتقد أن هذا هو صلب الموضوع، فمن لم يتعامل مع أوروبا من قبل يصعب عليه فهم الصحافة هناك، و دور الدولة، و مدى سيطرتها على مؤسسات البلد، هذا إن كان هناك سيطرة من أساسه. و الذي لم يصادق قبطيا قط ، و أعني: عشرة و عيش و ملح".. يكون من السهل عليه تصديق كلام مما يردده أبو إسلام عبد الله أن هناك مؤامرة لتنصير مصر إلى آخر هذا الهراء
............العزلة
... بدأناها .. و مستمرون فيها... ننغلق في حفرتنا... بعيدا عن الحضارات الأخرى...
نقرأ صحفنا المحلية..
نمنع الأفلام و الكتب التي تتعرض للعرب أو للإسلام، فلا نعلم كيف يفكرون...
نستمع إلى مشايخنا الذين يستمعون إلى قادتهم...
نقرأ بالعربية، نكتب بالعربية...
نشاهد الفضائيات العربية...
و نغلق على أنفسنا الباب، و نحكم أصفادنا..
نغرق في عزلتنا رويدا... رويدا...
مستمرون... مستمرون .. حتى النهاية.......
أما عن الأقباط... فأمرهم مربك فعلا، فالمحرك الأكبر للشارع هو ديني/ كروي، و الأقباط ليس منهم من
! يلعب في المنتخب،أو في أغلب الأندية الكبرى