٢٥‏/٠٧‏/٢٠٠٩

حول القتل من زاويتين

بينما كنت أسير في إحدى المدن الألمانية ، وجدت الميدان الذي مررت عليه دوما و قد نصب في منتصفه مسرحا صغيرا ، دقائق و كان هناك أشخاص ينصبون معدات صوتية و سماعات كثيرة ، و دقائق غيرها و كان فتية و فتيات المدينة الصغيرة قد اشترون زجاجات البيرة و افترشوا علي الأرض في انتظار الحدث.
لم تمر الساعة حتي كان هناك فريق من الموسيقى الغجرية و قد وقف و غنى و رقص بلهجاته المحلية ، و بعض الفرنسية ، و غالبية الحضور لم يكن يعرف للكلمات معنى ، و كان المغنون يداعبون الجمهور بالفرنسية أيضا.
كان الفريق من الرجال فقط ، تقافزوا و تراقصوا بكد و اصرار ، داعمة اياهم موسيقاهم الفرحة بشكل استثنائي.
وقفت بين الحضور ، تجمع الشباب و الشابات و رقصوا في وسط الميدان بين يدي الفرقة ، تلك التي غنت ألحان متعددة الهويات، و كان الجميع في حالة نشوة عارمة.
و بينما نحن على هذا الحال ، و في وسط الميدان الواسع بين الشباب الراقص - كانت الشمس لم تغرب بعد رغم تجاوز التاسعة مساءا - ظهر رجل ملتح و متجلبب ، و بجواره امرأة منقبة.
بمنتهى الوقار وقف للحظات تابع العازفين باهتمام بالغ للحظات. و ما لبث أن قال شيئا للمرأة ثم انصرفا باسمين .
أخذت انظر للرجل ، حتى نهرتني صديقتي الألمانية: كفاك بحلقة في الرجل، اتركه لحاله.
خجلت من بحلقتي ، قلت أنه موقف كهذا في بلدي لا بد أن تتبعة مشاجرة أو كلمة من هنا أو من هناك .
قالت لي : هنا الوضع يختلف .

المسرح الصغير حيث غنى فريق
Valiumvalse

بينما ادخل تحت غطائي البارد في ليلتها تذكرت الميدان و الحفل ، قلت أن هذا مجتمع صحي ، كل يعيش حياته كما يحلو له ، لا يتدخل كل في حياة الآخر ، ولا يقف أحدا وصيا علي الناس ،و ليس للمواطن العادي هموم اصلاحية أو إرشادية . الامر لدينا جد مختلف ، لاسباب عديدة ظلت تتحرك في عقلي مجيئة و ذهابا حتى نعست.
ففكرت أنه في بلدنا اذا أقيم حفل كهذا في ميدان عام - و ليس في اطار حدث سنوي مغلق كمهرجان الكوربة و ما شابهه ، سنصحوا علي ضجة في الصحف حول فائدة هذا الحفل ، حول الفساد الذي وراءة ، حول مغني ذو اصل يهودي ، و غالبا ما ستصدر مجموعات في فيسبوك تنادي بمقاطعة الهيئة التي أقامت الحفل على خلفيات سياسية / دينية كما اعتدنا.



بعض الحضور الراقص كما التقطتهم بعدستي


بالبارحة لأسباب مهنية جائتني رسالة من صديق مصري ، عبارة عن بريد من هيئة المانية تطلب فنانين مصريين للمشاركة في حدث ثقافي ما ، كان الأيميل يبدأ باعتذار من هذه الهيئة الفنية للعالم الاسلامي عن مقتل مروة.
شعرت بضئالة رهيبة ، لماذا يتوج هذا الامر رسالة ذات محتوى تبادلي ثقافي؟
لم تأتيني سوى إجابة واحدة: الألمان يخافوننا.
الغرب لم يعد يريد مشاكل مع هذه المنطقة.
هم يعرفون أننا هناك دوما أمرا سنثور من أجله ضدهم ، و واضح أننا ماهرون في الثورات ضد الغرب.
و للأسف ماهرون فقط ضد الغرب.
فحينما قتل اثنان بالبارحة بسبب أسلاك عارية على الأرض في الوادي الجديد ، مر الأمر مرور الكرام لأن العدو هو جزء مننا ، و من تركيبتنا. و لم أجد حتى رابط للخبر الذي رأيته صدفة في جريدة.
و حينما قتل الضابط المصري مرڤت راكلا إياها في بطنها الحامل و لفظت روحها مع جنينها خلال دقائق ، مر الأمر مرور الكرام.
و حينما ضرب ضابط آخر شاب بالرصاص بسبب مشاجرة كلامية اما النادي ، لم تقم الثورات ، و لم ترتفع لافتة واحدة.
حينما أشعل مواطنون النار في بيت مغتربين سودانيين في الحي العاشر و قتلو البعض و حصل البعض على اعاقات لمدي الحياة ،لم تغطيه الصحف حتى ، و لقد عاينت بعيني ساعدا محترقا لسوداني يلهوا جيرانه المصريون بإلقاء العبوات الحارقة على غرفهم أثناء النوم ، لم يغطي صحفي واحد الأمر، بل و لم تتحرك القضية قضائيا حتى.
و لن أبدأ في الحديث عن ما يحدث في الأقباط خارج الكتلة القاهرية، فالضحايا عديدون .


و الحقيقة أن كل هذه الأشياء هي ثوابت نعرفها جيدا و و ناقشها الكتاب، و الحقيقة أنا متعايش معها تماما، و لا ابالغ ان اقول انني اعتدتها و اصبح جلدي اكثر سماكة كلما اتت احدى هذه الصفعات.
لكن الأزمة الكبرى ان تزدوج معايير هذا المجتمع لهذه الدرجة الَمرَضية، فلا نجد غضاضة فيما يحدث في دارنا بشكل يومي ، و لكن إن حدثت أزمة عارضة كحادثة مروة ، يصاب الناس بالذهول و عدم التصديق ، و كأننا لم نر هذا يحدث بشكل يومي لدينا.
أي ازدواج للمعايير هذا؟ و أي عمى وصلنا؟

مروة قامت برفع قضية في محكمة لان القاتل قد تطاول عليها و علي ابنها بالفاظ عنصرية ، و قضت المحكمة بتغريمه ٧٥٠ يورو ، و هو الأمر الذي تظلم فيه و رفض الدفع ، في حين أن المدعي العام ايضا احتج علي الحكم ، و أصر على رفع العقوبة لتصل للسجن، لانها العقوبة القانونية لاي خلافات ذات منحى عنصري. هكذا تعاملت المانيا مع القضية في مهدها.
ارى من المضحك أن يطالب الشعب المصري حكومة المانيا بالاعتذار ، و هي التي اصرت اساس على حبس الرجل لانه تفوه بالفاظ عنصرية.
في حين أننا في وطننا الحبيب ، لا يعاقب القانون على مقولة "عضمة زرقا / أربعة ريشة" و ما شابه هذا الهراء في وصف الأقباط.
و سأطيل بقصة حدثت في حي مدينة نصر حيث نشأت .
فقد كان شباب التبليغ و الدعوة يطوفون الأحياء ، و يحثون الشباب علي الصلاة و اتيان المساجد، و قد حدث أن قابل "أمير" - هو صديق من ايام المراهقة - أحد شباب المبلغين ، و دار هذا الحوار :
المبلغ :طيب تعالى معايا الجامع صلي...
أمير : لا معلش اتفضل انت
المبلغ : يا سيدي جرب مرة ، و ما تجيش تاني.
أمير: لا .. اتفضل سعادتك.
المبلغ ( مادا يده بحميمية ساحبا ذراع أمير) : طيب تعالى بس .. صدقني مش حتندم.
أمير : يا سيدي أنا مسيحي!
المبلغ : (مشدوها) مسيحي؟؟؟! إتفوووووو!
و بصق الرجل على حذاء امير.
قال أمير: إتفو؟؟ تقدر تقول كده في القسم؟
قال الرجل: و اقوله في اي مكان يا نصراني.
سحبه امير في هدوء للقسم القريب جدا من مكان الواقعة ، و هناك قام الضابط بصرف الشاب الدعوي و رفض تماما عمل اي محضر ضده.
قال الضابط لأمير بالحرف الواحد: "يا عم امير الموضوع بسيط.. عامل مشكلة ليه بس.. روح شوف حالك بدال العطلة."

فمن ناحية نحن مجتمع يقبل تماما ان ينتهك الآخر ، مسيحي ، سوداني ، بهائي .. و لا غبار على ذلك أبدا.
و الدولة من ناحية أخرى ليس لها سوابق في نصرة النصارى على المسلمين في تفاصيل يومية مثل هذه (او مثل تفصيلة قضية مروة) ، و الحكومة قتلت بدم بارد سودانيي المهندسين، و تسمح لقنواة تبث على قمرها الاصطناعي بالتحريض و التكفير بل و الدعوة للقتل حرفيا ، في حين ترفض ان يكون للمسيحيين قناة خاصة - و هو رفض شعبي أيضا.

إذا تنطبق مقولة المسيح : "أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟".

اليوم نحصد أثر خطبة الجمعة في مساجد مصر البارحة ، و التي قيل ان الآلاف فيها قد قامو بتكفير الباحث سيد القمني و اهدار دمه. فببساطة يرى الكثيرون في بلدنا ان مواطنا يستحق القتل لاسباب عقائدية بلا محاكمة او استتابة ، و ينقمون هم أنفسهم علي مواطن الماني طعن فتاة مسلمة لاسباب عقائدية ايضا و ذلك في ردهات محكمة كان الغرض منها احقاق الحق للفتاة.
ها قد أتي على المسلمين حين من الدهر أن استباحوا دماء من يشهد شهادتهم ، عن جهل محض بآرائه و مؤلفاته ، و اضحت حياة رجل على المحك. وسط صمت و تباطؤ رهيب من الحكومة او التنويريين . مما دفعه لنشر نداء بائس اقرب للاستغاثة ، لعل من يؤازره في محنته ، و لن انسى رده في برنامج المصرية للمذيعة ريم ماجد حينما سألته لماذا لم يتحرك ضدهم منذ البداية قال بشيء من الاستسلام: "حاعمل ايه؟.. الاخوان كُتار".
هكذا في شهر واحد نرى لأي مدى هذا المجتمع قد فسدت ضمائره ، و اصبح يكيل بمكيالين علنا و جهرا، و لا يرى حتى اي غضاضة في أن يمارس ما يثور ضده، بحجة امتلاكه للرأي و الحقيقة.
إن لم يذكر كل مسلم لحظة ان رفع المبشرون بالجنة السيوف أمام بعضهم البعض، فحينها يصبح جليا أنه لا يوجد من يملك الحق بمطلقه ، و من المعروف أن الإمام علي لم يكفر من حاربوا ضده، و بكى من قتلوا أمامه في المعارك، و لم يستبح غنائمهم ، و ازهقت دماء الآلاف.

مجتزأ من كتاب القمني
شكرا بن لادن
(للتحميل)

الازمة الآن ليست في اعادة قصص صدر الاسلام ، ولافي تحسين ما تشوه من صورته ، لا اي من هذه الامور
أرى الأزمة في صمت بالغ يستمر كل مرة اشهرت قوي الظلام انيابها ، و في تقاعس مستمر من هؤلاء الذين كان بلأحرى بهم التحرك و الحديث. عشرات تحركوا و ثاروا من أجل قضايا خارجية ، و لم ينشر منهم سطرا من أجل ازمة داخلية تقتص من فراغهم العام شيئا فشيئا.
ربما ليأس و، ربما لخوف ..لا أعلم ، لكنه صمت مؤسف جدا، و سيعود ضررا على الجميع.

و أعود مرة أخرى للمسيح: " يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ".


هناك ٥ تعليقات:

  1. بوست متميز كالعادة

    لكن لى ملاحظة :

    انا ضد تكفير سيد القمنى و ارهابه

    و لكن انا ضد افكاره أيضا

    المقزز فى امر سيد القمنى بخلاف الخرف الغير علمى الذى يكتبه هو حشره للأخوان فى كل كلامه

    على اى اساس يفعل ذلك

    اذا كانت الهجمة اتية من يوسف البدرى و هو ليس اخوان

    من محامين و افراد من الجماعة الاسلامية

    و لم ار اخوانى واحد فى هذه القضية سولى النائب حسن حمدى و الذى لم يكفره او يقل ربع ما قاله البدرى و غيره

    اذا لماذا يصدر القمنى الاخوان فى كلامه ؟

    الاجابة :

    و كأنه يقول للدولة : انظروا انهم الاخوان أعدائكم اللدودون انظروا كيف يتحكموا فى الرأى العام و تحدوا قرارا اتخذه مجلسكم الاعلى للثقافة

    كيف تسمحون للمحظورة ان تفوز عليكم و تكسب نقاطا عليكم

    يا مبارك انقذنى من أعدائك و كاريهك
    -----

    بمعنى ان القمنى يستعدى الدولة ضد الاخوان ( على الرغم من عدم اشتباكهم معه بالقوة التى يستخدمها معه السلفيون ) فهو يعلم ان الدولة فى حالة سيطرة كاملة على كل الأطراف الاخرى الا الاخوان فيريد ان يأخذهم كحجة لاستدرار تعاطف النظام معه و يستغل حالة الرهاب لدى النظام من الاخوان

    احمق و حقير

    ليس لكتاباته

    بل لوصوليته و تسلقه كالثعبان

    ردحذف
  2. غير معرف٧/٣٠/٢٠٠٩

    Unbelievable you can't be
    Egyptian are there still good Egyptian men? sorry about that we all got this negative idea about but it is because what Egyptian men did in everywhere you find them. Sorry again Ahmed you are good example for your country and please do not take my note in defense but try to fix your men.

    ردحذف
  3. غير معرف٨/١٧/٢٠٠٩

    شدتني حكاية التبليغ لانها فكرتني بموقف شفته

    وقاله اتفو كده علطول وانت صدقته
    :))

    احنا صدقنا الحكاية علطول لاننا جاهزين نصدق حكايات زي دي

    شفت بعيني موقف مشابه في منطقتي...عكس ما تقوله تماما وكانوا تبليغ برضه في الجولة بتاعتهم...وناداهم صاحب محل نصراني وتحدث معهم لفترة من الوقت- واضح ان كان عنده شوية اسئلة ...محضرتش الوقفة بس شفت انها بدات وانتهت في منتهى الاحترام من الجانبين

    يعني ما جريوش الناحية التانية اول ما ناداهم وقالوا اتفو
    :)

    ردحذف
  4. غير معرف٨/١٧/٢٠٠٩

    معرفتش اعلق بالمعرف بتاعي بس اكيد انت عرفتني
    :))

    ردحذف
  5. غير معرف٨/٣٠/٢٠٠٩

    عيب لما تقول برة الكتلة القاهرية المسيحيين مضهدين
    انا مش من القاهره و جارنا مسيحي و سواق تاكسي
    لما بنروح أي مشوار بنخليه يوصلنا رغم انه بيغلي علينا اساسا

    و انا من الاخوان المسلمين

    و لما بقعد معله مبفتحش اي حاجه في الدين على العكس تماما
    مرة كنت قاعد معاه و لوحده بيقول عمرو بن العاص كان شغال ايه قبل ما ييجي مصر !!!!!

    بكل بساطه قلت له اشتغل تاجر و بعد كده حارب في سبيل الله بعد ما دخل الاسلام و ادى التجارة لاولاده

    طبعا السؤال مش بسيط بس الاجابة لازم تبقى بسيطة

    ارجوا صاحب المدونة المحترم مراجعة معلوماته و النظر الى القضايا بشكل اعم و اشمل و عدم الركون الى وجهة نظر واحده تعتمد على وقائع لا تمثل الحقيقة بعينها

    هذا رأيي و شكرا

    و أرجوا منك الابتعاد عن المبدأ العلماني المغالي كنصيحة أخوية و شكرا فلكل شعب و بلد هوية لا تنطمس برؤية بعض ابنائه

    و ان كان لك الحق في نقد بعض الظواهر السلبية

    و لكن تحرى بدقة و شكرا

    ردحذف

المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO