٠٩‏/٠٦‏/٢٠٠٩

بلاهـــة

مقعد فارغ يشكل واحدا من خمسة مقاعد أخرى مرتبطة بقضيب حديدي مهتريء ليدعمهم من الأسفل. هذا الشكل ليس بالنادر في المجمعات الحكومية حيث أقضي ساعات لاستخلاص أوراق لا أعلم من يكترث بشأنها سوى الحكومة (تلك التي تملكها في الأساس) مما يجعل الأمر عبثيا جدا ، لكن من أنا لأقول علي اية حال.
وجدت الكرسي فارغا و ان بدا متسخا بعض الشيء ، لم اكترث و اتخذته ركيزة للانتظار.
و كان الجالس لجواري يمارس عادة مصرية اصيلة و هي اختلاس النظر لأوراقي ، ففضلت ان اكشفهم امامه بشكل واضح لأوفر عليه عناء المتابعة، و ينتهي سريعا.
لحظات و أتى شاب شديد الأناقة ، مهندم و ذو شعر مصفف بطريقة لا أعرف إليها سبيلا، اقترب من رجل ملتحي على ميمنتي و قال له:
- ممكن تملالي البيانات بتاعتي في الاستمارة؟
الحقيقة لم أتصور ان الشاب أميا أبدا ، و شعرت بالضيق من نفسي أن اتصوربالضرورة أن يكون الأُمي فلاحا بجلابية مهترئة و خاتم توقيع معلق بحبل في رقبته ، قلت أن الزمن تغير ، و المظاهر تعوض فروق كثيرة الآن. و قلت انني برجوازي (في نفسي أيضا حتي لا يسمع الآخرون).
و بينما يملأ الملتحي المتجلبب استمارة الفتى لاحظت أن الفتى قبطيا، مما جعل الملتحي يعاني كثيرا في كتابة اسم عائلة الفتى: فيلوباتير.
و كنت اتوقع أن يبدو علي الملتحي اي ضيق او تململ من مساعدة القبطي ، و لكن العكس قد حدث فقد كان شديد الإخلاص و الدأب ، و من ناحية أخري فان الشاب الأول لم يجد غضاضة في اختيار الملتحي بالذات الجالس بجوار امرأة منقبة لكتابة بياناته هو المسيحي، ربما لعادة مصرية في اعتبار المشايخ من أهل المعارف و الكلم.

ثم من جهة أخري ، كان الجالس إلى جواري شابا طويلا جدا ، و أعني انه طويل جدا، نظر إلي و قال:
- لو تحب الجيش يكرهك ، تكره الجيش يحبك.
اعتدلت في جلستي و تأملته بشيء من البلاهة، كنت ادرك أنه يريد أن يفتح موضوعا ما لقتل الوقت، فقلت انني لا افهم ما عناه، فحكى لي قصته.
كان الشاب قد تقدم مع حملة مؤهلِه تحت المتوسط لأداء الخدمة العسكرية ، و لكن تم إعلان أسماء اللذين سيتم تجنيدهم، أما هو فقد حصل علي الإرجاء.
قلت انه شيء حسن ، فالآن يمكنه استكمال حياته ، الزواج او السفر او ما شابه. و لكنه لم يلبث أن أخبرني انه حزين جدا لما حدث ، حتي انه زار أحد الجهات العسكرية طالبا تجنيده ، لكنهم رفضوا.
اعتدلت مرة أخرى ، سألته :
- طيب انت ليه عاوز الموضوع ده قوي كده؟
قال:
- يعني الواحد يبقى عسكري بردو، في جيبه كارنيه ، واقف على باب كده ، بيدخل اللي عاوز و يوقف اللي عاوزه .. سُلطة برده.. كويسة السُلطة.
قلت:
- طبعا، كويسة السُلطة.


غرافيتي لجندي له هالة
القاهرة - فنان/ة مجهول

هناك ٣ تعليقات:

  1. فى بعض الاحيان تتحول السلطة
    الى سلطة

    المجتمع اصبح يخلق الغولة ويتعامل معها
    ويسعى لخدمتها بكل جهد لكى يتقى شرها
    هذا هو الشائع

    اصبح الامر مجرد لجوء (هروب) الى لا شىء

    فقد يتحول الامر كاملا الى بلاهة احيانا وفى معظم الوقت الى ادراك خاطىء

    للاشياء

    ردحذف
  2. طبعا كويسة مع الفوضى اللى بنعيشها
    الراجل مغلطش !

    سعدت بمدونتك :)

    ردحذف
  3. الطويل قال حكمة: "لو تحب الجيش يكرهك ، تكره الجيش يحبك"

    في آخر الأشهر في الدراسة الجامعية، عندما بدأ شبح التجنيد يلوح في الافق، يتذمر منه الشباب المتعجل بناء مستقبله و الانخراط في دورة الحياة المعروفة، كنت أنا و صديق آخر نتناقش في مميزات أن تأتي خدمتنا العسكرية في نقطة حدودية متطرفة، هادئة و بدائية.

    لم يطلبنا الجيش للتجنيد..مع أننا رجالة و الله ياباشا


    من فترة و أنا أفكر في مسألة الوقوف على الباب هذه، و أتأمل أولئك الذين يؤدونها، و بدا لي أنها تعويض لشخصيات يحقق لها هذا التسلط التافه ذواتها، و من ناحية أخرى تعويض عن حياة لا يملك فيها أي منهم من أمره شيئا.

    ردحذف

المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO