-أ -
صديقة لي ، تدرس في الولايات المتحدة ، أرسلت لي منذ عدة أيام صورة لملصق وضع علي ثلاجة شقتها المشتركة مع طلبة آخرينالورقة هي قصاصة لتحث قارئها على ممارسة حِمية غذائية أو ريچيم ما ، المدهش فيها هو المدخل الذي تنهجه هذه القصاصة ، تقول:
" إجعل أميركا فخورة أعداؤنا يريدون رؤيتنا ضعفاء ، و عاداتنا الغذائية تجعلنا نبدوا كذلك ،الناس
تأكل المزيد من الوجبات السريعة و ما شابهها . الأكل الترفيهي و بالذات عندما تتناول الطعام الخاطيء
، يخلخل الحياة الصحية،و لا يترك لنا شيئا واحدا نقدمه لوطننا ، كلما كنا أقوي كأفراد ، كنا أقوى كأمة.
أندرو ويل "
تأكل المزيد من الوجبات السريعة و ما شابهها . الأكل الترفيهي و بالذات عندما تتناول الطعام الخاطيء
، يخلخل الحياة الصحية،و لا يترك لنا شيئا واحدا نقدمه لوطننا ، كلما كنا أقوي كأفراد ، كنا أقوى كأمة.
أندرو ويل "
كما هو واضح ، الورقة موضوعة علي ثلاجة في مدينة أمريكية في يناير ٢٠٠٨ ، ورغم أنها ليست من زمن النازية ، أو حتى الحرب الباردة، إلا تتكلم بوضوح عن : أعدائنا.
جعلني هذا أفكر في الدعاية ، و الپروپاجاندا التي كانت تطلقها الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية ، بالذات في بدايات الأربعينات ، و أتأملها ، أجد أن لغة الخطاب تقريبا لم تتغير بعد مضي ستون عاما.
هذا إعلان من صحيفة نشر إبان الحرب عام ١٩٤٤
الولايات المتحدة تريدنا أقوياء ،
تناول الأطعمة الطبيعية كل يوم
أن تقوم بريچيم غذائي لاسباب وطنية هو أمر شديد الطرافة في رأيي ، و لكن الأمر أثارني ، و جعلني أفكر في نوع الدعاية للحرب التي كانت تقدمها الحكومة الأمريكية لبسطاء الناس من مواطنيها ، و بالذات ربات البيوت ، و كيف تتلاعب بعواطفهم ، و ربما بآفاقهم المحدودة ، تاركة ميراث من تراث دعائي أظن أنه لا بد من التوقف عنده ، و إعادة قراءة المواطن الاعتيادي الامريكي من خلاله ، و كيف وصل الحال بعد ستين عاما ، لاستخدام نفس المفردات تقريبا مرة أخرى.
كانت هناك حملة ضخمة لحمل ربات البيوت على توفير الدهون المستخدمة في الطهي ، و إرسالها للجيش ليصنع منها النتروجلسرين و القنابل ، أما عن كيف أقنعوهن بالمشاركة في مسألة دموية كهذه ، فالملصقات تتفرد بالقصة.
تؤمن ١٥٤٢ دانة مدفع سلمي بقايا دهون مطبخك الان
"إنهن يردن الأمر صعوبة علي ، و على جيشي"
بواقي الدهون مطلوبة علي وجه السرعة ، احضرن ما لديكن الآن
بواقي الدهون مطلوبة علي وجه السرعة ، احضرن ما لديكن الآن
الموجود أعلاه هنا ليس خطابا حقيقيا ، و إنما اعلان في جريدة عام ١٩٤٢
"أمي العزيزة ، إن البارود الذي استخدمه هنا مصنوع من الجلسرين ، و الزيوت و الدهون التي تتبقى من بعد عمليات قليك و تحميرك تصنع الجلسرين ، هل من الممكن أن تحوشيهم من أجلي يا أمي؟ مجرد ملعقة واحدة كل يوم سوف تفيد ، و سلميها للجزار حينما تكتمل عبوة ، إن استمرارك في التحمير هو خير وسيلة لمساعدتي ، افعلى ذلك اليوم ، يا أمي.
محبتي ، چو"
لا تستمعي لكلام السيد تشكلجروبر (اسم عائلة هتلر) ، و في الرسم ينصح
هتلر ربة المنزل برمي الدهن ، لكنها تنهره ، و تشرح فائدة الدهن للقاريء ،
لن استفيض في الترجمة لتفاهتها المتناهية.
هتلر ربة المنزل برمي الدهن ، لكنها تنهره ، و تشرح فائدة الدهن للقاريء ،
لن استفيض في الترجمة لتفاهتها المتناهية.
الدهن لصناعة البارود لقتل الفئران (اليابانيون هنا)
و لاننسى حملة الورق ، حيث طلب من الأمريكان عدم اهدار الورق ، لحجة غريبة جدا ، أنه يستخدم كحلقات للطوربيد ، و لقذائف الطائرات ، لا أعرف جدوي ان يدخر الامريكيون الورق ،خصوصا بالنسبة لحرب كلفت الولايات المتحدة أكثر من ١١٢ مليون دولار يوميا بحسبة الأربعينات ، و قدرت التكلفة الكلية بـ ٢٨٨ مليارا ، و لا اعلم سبب تعمدهم للضغط على الشعب لتوفير الورق الذي غلفت به القنابل التي القتها الطائرات على المدن حول العالم في حرب حالكة.
قراء هذه المجلة وحدهم بإمكانهم توفير ورق يكفي لصناعة
٥٠٠ باوند من القنابل ، و صورة لفتاتان توفران الورق
٥٠٠ باوند من القنابل ، و صورة لفتاتان توفران الورق
سؤال ، هل للصورة أي بعد جنسي خفي؟ أم أنها فقط إحدى مشكلاتي النفسية؟
- ب -
هناك أيضا إعلان غريب جدا ، عن موضوع أغرب ، و هو السلاح ، فطالما أننا قد تطرقنا لمسألة أن قذف الناس بالقنابل (مهما كانت دوافع الحرب ) هو أمر يستخدم دعائيا بدم بارد ، فهناك هذا الملصق البديع .يقول:
"إن التاريخ الأمريكي كله قد بني و استمر علي يد حملة سلاح مدربين ، أولئك الذين يصوبون و يضربون أسرع و أدق من أعدائهم ... اليوم و نحن في عام ١٩٤٣ فإن أقل من ٢٪ من المجندين يعرفون أي شيء عن السلاح!”
علامة التعجب من لديهم ، و ليست من عندي
هذا الاعلان
و يستطرق قائلا "شارك سلاحك مع جارك" و برنامج لتعليم المدنيين فوائد حمل السلاح . طبع برعاية هيئة السلاح القومية ، إن آر إيه ، التي واجهها مايكل مور في فيلمه الشهير في الألفينات.
- جـ –
التوعية القومية تشمل عادة حشد الناس و تجنيدهم لصالح آلة الحرب ، إما ماديا أو على الاقل ذهنيا و هي غاية أساسية لحملات كهذه ،أقصد أن القاريء قد لا يوفر دهن البيكون ، و قد لا يعيد صحف النيوزويك و مجلات الكوميك ، لكنه حينها سيشعر بداخله أنه قد خان شأنا عاما ، و أنه قصّر بشكل ما ، و بالتالي يتم تحويله لداعم صامت للحرب ، و سيتكلم عندما تتفاقم الأزمة ، و ربما سيحِمل وزرها بداخله، لأنه لم يكن من المشاركين.و قد حدث أن قامت الحكومة بتعيين علامات تجارية و ماركات بعينها و اعتبرت أن هذه الماركات داعمة للجيش الامريكي ، و هناك قائمة لا تنتهي من الملصقات تدعوا الشعب لأن يشتري أكثر ، و ينفق أكثر ليدعم الجندي علي الجبهة. و القائمة طويلة ، و لا مجال لذكر العلامات التجارية (التي اصبحت من اسس الصناعة الأمريكية فيما بعد).
هنا الملصق يخاطب المهاجرين الذين ينزلون لنيويورك - بملابسهم الشعبية - يقول:
"الغذاء سينتصر الحرب
لقد أتيتم إلي هنا بحثا عن الحرية ، لذا فيجب عليكم المساعدة في الحفاظ عليها
القمح مطلوب لقوات الحلفاء ، لا تهدروا شيئا"
"الغذاء سينتصر الحرب
لقد أتيتم إلي هنا بحثا عن الحرية ، لذا فيجب عليكم المساعدة في الحفاظ عليها
القمح مطلوب لقوات الحلفاء ، لا تهدروا شيئا"
و الاتي هو أغرب إعلان ، و الرجاء التدقيق
صورة لجندي أمريكي ينام مسترخيا ، و أمامه فتاة افريقية عارية الصدر تقوم بتهويته.
" كل شراب من شرابات إنترووڤن ، هو شراب جيد ، قد يمكنك أن تشتري هدية أغلى لوالدك في عيد الأب ، و لكنك لن تستطيع شراء شيء قد يخدمه بشكل أفضل"
لا أفهم.
- ختام -
حسب علمي ، مصر كانت موقع محوري للحرب ، و لا يمكن سوى أن نعتبر العلمين من المعارك التي حددت نهايات الحرب الطويلة . في العلمين وقعت معركتين بالمناسبة و ليست واحدة ، و لكن الثانية هي الأكثر تأثيرا ، و هي التي منعت الألمان من غزو مصر ، و بالتالي التحكم في قناة السويس ، و من ثم التحكم في بترول الخليج.معركة العلمين الثانية كان اجمالي الجنود ٣٣٦ ألف مقاتل في بقعة واحدة ، و مصر كانت على مشارف المعركة ، و قد يتم اجتياحها في أي لحظة من قبل الألمان و الفاشست و ربما حلفاء آخرين في أكتوبر ١٩٤٢
و لكن بنظرة سريعة للمجتمع القاهري ، فقد كان هناك ذعر بسيط نسبيا بين أثرياء اليهود خوفا من النازي ، و عموما كان هناك حالة قلق و ترقب شديدة ، و لكن أبدا لم يتم تكريس مصر للحرب . و استمرت السينمات تعرض أفلام محمد كريم ، و توجو مزراحي ، و نيازي مصطفى ، و احمد جلال، و أحمد بدرخان ، و كانت القاهرة في وضع أكاد اوصفه بالعادي ، و لم تتاجر الحكومة بشعبها ، أو بعواطفه ، و هو الشعب الغني وقتها– اقصد قياسا لاجمالي الناتج القومي - و المنتج و المصدر، القادر على صنع اقتصاد قوي.
مرت الحرب الضروس الجارية على عتبات الدار بسلام ، و بالكاد شعر أهل الدار بانزعاج.
لا أعلم لماذا لم أجد ملصقات و پروپاجاندا مشابهة ضمن مجلات قديمة من اتي دأبت على جمعها.
عموما ، حتى لا أكون قد عرضت الجانب الأمريكي فقط ، فهذه دعاية مضادة من ألمانيا ، تصور الجندي الأمريكي الذي يحاول السيطرة علي العالم ، و لكن....
اليوم لا أنظر لهذه الملصقات كنوستاچيا أبدا ، يبدو أن الحرب قد استمرت وقتا أكثر بكثير مما ينبغي.
أكثر بكثير.