لا أنفك اتعجب مما يدور من حولي ، و مما أشاهد و أختبر يوميا ، أشياء كثيرة نشاهدها ، و نختزنها ، لنحكيها للأصدقاء و الندماء ليلا ، و تكون مادة للتندر و الضحك ، أو مصمصة الشفاة كيفما اتفق ... و لكنني بدأت في القلق ، و الحيرة...
يا لهذه البلاد...
كنت أقابل شخصا مريبا ، أو محطما ، أو غير متزن ، بين فترات و فترات ، و هذه الفترات آخذة في القصر ، حتى أصبحت أختبر نماذج بشرية غاية في الندرة و الغرابة يوميا ، و بدأت أفكر ، أي ندرة إذن؟
ربما العيب يكمن في الرائي؟
إن قابلت حالة انسانية "فريدة" كل يوم، فاظن ان هذا يعكس مجتمع كامل...
يعكس بلاد بأكملها..
لن أطيل، فالقصة أنني أبحث عن شقة للسكن لصديقة ما ، و لما توسمت في هوسا معماريا مرضيا ، فقد طلبت مني أن أساعدها في ذلك،..
بدأ الأمر بالسماسرة ، و الوسطاء الذين ظلوا يراسلوننا فيما بينهم و بين المبان القديمة البلجيكية ذات السقف العالية و الأراضي الخشبية وفق ما أصررت أنا عليه .
إلى أن أتى يوم ذهبت بنفسي إلى الاستاذ (أمجد)* ، و هو وسيط عقاري مكتبه عباره عن غرفة في ممر مظلم في مدخل فيلا متهدمة في وسط البلد ،و الجو العام مقبض رغم روعة المعمار الذي غزته عناكب و فئران ، لم اكترث فإن هذا هو مكان الرجل ، و لن أعيش هنا على أية حال.
دخلت في غرفة مكتبه، و هي منيرة نسبيا ، و بها أثاث جلدي من الاربعينات ، و لكنه في حالة جيدة ، خلف الرجل دواليب ضخمة ملآى بأوراق ، و ملفات ، الرجل ضخم ، هاديء ، يشرب سيجارة عبر مبسم ، الموقف كله ذكرني برواية (آمال عظيمة) لديكنز ، و بفيلم ديفيد لين عنها ، حينما يدخل البطل البيت ذو الماضي الجميل ، و يجد المرأة العجوز تحيا في وسط حطام ، و في جو مقبض و نستالجي في نفس الوقت.
أخذ الرجل يحدثني عن الشقق المتاحة و أسعارها و هو يقلب دفاتره و أنا جالس أمامه على المكتب ، و كان الرجل بالكاد يرفع عينيه نحوي.. أخذ يقوم ببعض المكالمات ، بصوت رخيم ووقور ، و لا يزيد حرفا عما يريد أن يسأل ، بالكاد يلقي التحية. و هو أمر غريب جدا في مجاله ، ربما لأني اعتدت منهم الوسطاء أن يسألوا عن حياتي ، أو حياة الفتاة ، أو ماذا تعمل ، أو أين تسكن ... و سخافات كثيرة أخرى ، باحثين في جلاليبهم عن قصاصة ورق لتسجيل رقمي ، الذي يضيع في نفس اليوم، و لكن (أمجد) كان مختلفا ، شكلا ، و ملبسا ، و أداءا...
و بينما كنا على هذا الحال، هو يسأل عن شقق بالهاتف ، و أنا أتأمل تفاصيل المكان - حيث دوما ما أبحث عن صور و أيقونات دينية في مكاتب الأقباط و التي عادة ما توضع في أماكن مخفية ، و في هذه الحالة كانت تحت التليفون!- فشاهدت الدولاب العتيق ، فاصطدمت عيني بلفافات بلاستيكية ضخمة موجودة فوقه ، تحوي مئات النسخ من كتاب ما كما تسلمه المطابع ، اقتربت من الدولاب و رفعت رأسي ، و جدتها رواية من تأليف "أمجد عزمي" *، قلت : يا عم أمجـ .. يا أستاذ أمجد ، هو حضرتك اللي مؤلف الرواية دي؟
قال بدون أن ينظر لي : أيوه
قلت: حضرتك بتكتب؟ روائي؟
قال: يعني ... بحب الكتابة
قلت : الرواية دي عندي في البيت ، اشتريتها ، و ما قريتهاش للأسف.
رفع رأسه نحوي ببطئه المعهود ، قال: عندك؟ قلت : ايوه
قال: جبتها منين؟
قلت: من بياع الجرايد اللي عند هارديز التحرير
هز رأسه و أكمل البحث في أجندة تليفونه ، و أخذ يحدثني عن العقارات المتاحة ، و لم يفتح موضوع الرواية معي مطلقا!
أصبت بصدمة ، ليس لأن أي مثقف من مثقفي وسط البلد إن قابلته صدفة في الحرية أو اليوناني أو حتى الجازكلب ، سيملأ رأسك بترهات عن ابداعاته ، و أعماله ، و غالبا معاناته ، فكيف بهذا الرجل لم يفتح فمه بأي شيء سوى كيف عثرت على الرواية.
أي مجتمع هذا تجد فيه روائيا يعمل سمسارا ، و يتاجر في الشقق ، و ربما يعيش شخصية مزدوجة؟
كيف انتهى هنا ، في هذا المكان بالذات .
و كيف انتهت الرواية بأعلى دولاب العقارات ، و في المكان نفسه.
عم تحدثت الرواية؟ هل كتب عن نفسه؟ عن حياته؟ أم أنه كتب عن شخصيات و أماكن أخرى؟
لا أدري ، لكنني حتما سأقرؤها.
ثم أتي اليوم التالي ، كلمني سمسارا من ذوي الجلاليب مؤكدا أنني "باشا "، و أن "طلبي عنده" ، و أعطاني عنوان شقة يرشحها بقوة ، فذهبت وحدي ، و دخلت بناية صغيرة من ثلاثة أدوار ، تاريخ انشائها مثلما كتب على بابها الحديدي المتحفي هو العام ١٨٨٧ ، و في أعلاعا برجا كولنيالي الطابع ، و بأعلاه ذلك الديك الحديدي لتحديد اتجاه الهواء ، المبني قطعة فنية ، و في حالة ممتازة ، يقطنه العديد الأجانب ، و في مكان هاديء .
صعدت للدور الأول ، وقابلت الأستاذ "كامل" * صاحب الشقة ، و هو رجل في أواخر الأربعينات هاديء و يعيش في منزل بحالة رثة ، وحيدا ، بين أكوام من أتربة و ملابس مبعثرة.
أراني الشقة ، و التي رفضتها من أول وهلة لعيب ما ، و لكنه سألني أن أجلس و أن نشرب بعض الشاي ، قلت له أن لدي عملا ، لكنه أصر ، قلت لا مانع ، و جلسنا ، و تجاذبنا أطراف الحديث ، و بدأنا في التعارف ، و الكلام عن الزحام ، و الحكومة ، و الفساد ، و الشرطة ، و حال البلد و الناس ... و إذا بالرجل يبدأ في سرد أدق مشاكله لي ، و الحقيقة الرجل مر بمحنة نفسية مؤلمة ، أعرفها لأنني خبرتها من قبل ، و لكن الرجل ضاع في غياهب عقله تماما ، و ظل يحكي ، و يحكي ، و يسألني ، وأجيب ، و إذى بالرجل يبكي ...
ربتت على ركبته وهو جالس أمامي ، حكيت له عن نفسي ، عن أشياء مشابهة ، عن قصص من أصدقاء هدأت من روعه قليلا ، لكنه ظل يرتجف ، و يمسح عبرات تسيل ، حتى آخر اللقاء الذي تجاوز الساعة و النصف.
فتحت له شبابيك المنزل، تلك الشبابيك الخشبية التي تضاعفني طولا ، و أعلقت الأنوار الكهربية و سمحت للشمس بالدخول ، قال أنه يخاف من الناس و اللصوص ، قلت لا تقلق ( فكرت أنه لن يصيبه أسوأ مما حدث بالفعل!) ، و قلت له أننا في منتصف الظهيرة، كيف له ألا يعلم أن الشمس في كبد السماء؟ و لماذا يستعمل اضاءات النيون في نهار مشرق ، و لماذا ينام في الغرفة التي ماتت أمه فيها؟
سكت الرجل
شاركته نصف برتقالة من مطبخه
أكلها ، و أنا مضغتها و ابتلعتها فانني امقت البرتقال.
قلت كلام لا أعلم مدى صحته ، سألته أن ينهض ، و يبدأ من جديد ، و قلت أن الضربة التي لا تقتله تقويه ، و أظنني كاذب ، لأن الضربة التي لا تقتل ، غالبا ما تكسر.
بدا مسالما ، و متفقا ، اخبرته أن علي أن أذهب فلدي موعد في الشارع.
أوصلني للباب ، و رحلت.
وجدت رقمه على هاتفي ، طلبته ، سألني إن كان لا يزعجني أن يسأل عني بين الحين و الحين؟ قلت أنه شرف لي ، و يسعدني ذلك...
يا إلهي
الرجل ليس لديه أصدقاء
ليس لديه أحد
أتوقع أنه مقدم على أمر مهلك
أعلم ذلك لأنني خبرته يوما....
اليوم السابق لمقابلتي هذه ، قال لي صديق قديم أن "كل شيء يحدث لسبب ، و لا شيء يأتي هباءا ، و لا تستقل كوارث ما منطلقا من أنها أتت بأهون الوسائل ، و لكنها أسباب ، و علينا البحث فيها"
قلت في نفسي : ها أنا ذا ، كل شيء يحدث لسبب ، و الآن ربما أنا الصديق الوحيد لشخص على شفا الانهيار و لم أره في حياتي سوى مرة واحدة.
مرة أخرى...
ما هذا الذي يحدث؟
كيانين انسانيين فريدين ، في يومين متتاليين ... ( و لم أعدم القصص بعد) هل هي صدفة؟ أم أن المجتمع على حافة الهاوية على المستوى الإنساني و النفسي (قبل السياسي و الحزبي و الديني و الحجابي !) ؟
أعتقد أنها صدفة ..
و كله تمام..
أتساءل عن نفسي ، و عن الأناس الأقربين الذين أحببتهم أو أحبهم ، إلام سنؤول حينما نطرق باب الخمسين؟
و ربما الأربعين .....
أعتقد أن علينا المواظبة على تلقي الضربات ، فإن لم تقتلنا ، فربما ... ربما ... تقوينا! ـ
ـــــــــــــــــ
* قمت بتغيير أسماء الاشخاص حفاظا على خصوصيتهم ، و لم أذكر اسم الرواية لنفس السبب
يا لهذه البلاد...
كنت أقابل شخصا مريبا ، أو محطما ، أو غير متزن ، بين فترات و فترات ، و هذه الفترات آخذة في القصر ، حتى أصبحت أختبر نماذج بشرية غاية في الندرة و الغرابة يوميا ، و بدأت أفكر ، أي ندرة إذن؟
ربما العيب يكمن في الرائي؟
إن قابلت حالة انسانية "فريدة" كل يوم، فاظن ان هذا يعكس مجتمع كامل...
يعكس بلاد بأكملها..
لن أطيل، فالقصة أنني أبحث عن شقة للسكن لصديقة ما ، و لما توسمت في هوسا معماريا مرضيا ، فقد طلبت مني أن أساعدها في ذلك،..
بدأ الأمر بالسماسرة ، و الوسطاء الذين ظلوا يراسلوننا فيما بينهم و بين المبان القديمة البلجيكية ذات السقف العالية و الأراضي الخشبية وفق ما أصررت أنا عليه .
إلى أن أتى يوم ذهبت بنفسي إلى الاستاذ (أمجد)* ، و هو وسيط عقاري مكتبه عباره عن غرفة في ممر مظلم في مدخل فيلا متهدمة في وسط البلد ،و الجو العام مقبض رغم روعة المعمار الذي غزته عناكب و فئران ، لم اكترث فإن هذا هو مكان الرجل ، و لن أعيش هنا على أية حال.
دخلت في غرفة مكتبه، و هي منيرة نسبيا ، و بها أثاث جلدي من الاربعينات ، و لكنه في حالة جيدة ، خلف الرجل دواليب ضخمة ملآى بأوراق ، و ملفات ، الرجل ضخم ، هاديء ، يشرب سيجارة عبر مبسم ، الموقف كله ذكرني برواية (آمال عظيمة) لديكنز ، و بفيلم ديفيد لين عنها ، حينما يدخل البطل البيت ذو الماضي الجميل ، و يجد المرأة العجوز تحيا في وسط حطام ، و في جو مقبض و نستالجي في نفس الوقت.
أخذ الرجل يحدثني عن الشقق المتاحة و أسعارها و هو يقلب دفاتره و أنا جالس أمامه على المكتب ، و كان الرجل بالكاد يرفع عينيه نحوي.. أخذ يقوم ببعض المكالمات ، بصوت رخيم ووقور ، و لا يزيد حرفا عما يريد أن يسأل ، بالكاد يلقي التحية. و هو أمر غريب جدا في مجاله ، ربما لأني اعتدت منهم الوسطاء أن يسألوا عن حياتي ، أو حياة الفتاة ، أو ماذا تعمل ، أو أين تسكن ... و سخافات كثيرة أخرى ، باحثين في جلاليبهم عن قصاصة ورق لتسجيل رقمي ، الذي يضيع في نفس اليوم، و لكن (أمجد) كان مختلفا ، شكلا ، و ملبسا ، و أداءا...
و بينما كنا على هذا الحال، هو يسأل عن شقق بالهاتف ، و أنا أتأمل تفاصيل المكان - حيث دوما ما أبحث عن صور و أيقونات دينية في مكاتب الأقباط و التي عادة ما توضع في أماكن مخفية ، و في هذه الحالة كانت تحت التليفون!- فشاهدت الدولاب العتيق ، فاصطدمت عيني بلفافات بلاستيكية ضخمة موجودة فوقه ، تحوي مئات النسخ من كتاب ما كما تسلمه المطابع ، اقتربت من الدولاب و رفعت رأسي ، و جدتها رواية من تأليف "أمجد عزمي" *، قلت : يا عم أمجـ .. يا أستاذ أمجد ، هو حضرتك اللي مؤلف الرواية دي؟
قال بدون أن ينظر لي : أيوه
قلت: حضرتك بتكتب؟ روائي؟
قال: يعني ... بحب الكتابة
قلت : الرواية دي عندي في البيت ، اشتريتها ، و ما قريتهاش للأسف.
رفع رأسه نحوي ببطئه المعهود ، قال: عندك؟ قلت : ايوه
قال: جبتها منين؟
قلت: من بياع الجرايد اللي عند هارديز التحرير
هز رأسه و أكمل البحث في أجندة تليفونه ، و أخذ يحدثني عن العقارات المتاحة ، و لم يفتح موضوع الرواية معي مطلقا!
أصبت بصدمة ، ليس لأن أي مثقف من مثقفي وسط البلد إن قابلته صدفة في الحرية أو اليوناني أو حتى الجازكلب ، سيملأ رأسك بترهات عن ابداعاته ، و أعماله ، و غالبا معاناته ، فكيف بهذا الرجل لم يفتح فمه بأي شيء سوى كيف عثرت على الرواية.
أي مجتمع هذا تجد فيه روائيا يعمل سمسارا ، و يتاجر في الشقق ، و ربما يعيش شخصية مزدوجة؟
كيف انتهى هنا ، في هذا المكان بالذات .
و كيف انتهت الرواية بأعلى دولاب العقارات ، و في المكان نفسه.
عم تحدثت الرواية؟ هل كتب عن نفسه؟ عن حياته؟ أم أنه كتب عن شخصيات و أماكن أخرى؟
لا أدري ، لكنني حتما سأقرؤها.
ثم أتي اليوم التالي ، كلمني سمسارا من ذوي الجلاليب مؤكدا أنني "باشا "، و أن "طلبي عنده" ، و أعطاني عنوان شقة يرشحها بقوة ، فذهبت وحدي ، و دخلت بناية صغيرة من ثلاثة أدوار ، تاريخ انشائها مثلما كتب على بابها الحديدي المتحفي هو العام ١٨٨٧ ، و في أعلاعا برجا كولنيالي الطابع ، و بأعلاه ذلك الديك الحديدي لتحديد اتجاه الهواء ، المبني قطعة فنية ، و في حالة ممتازة ، يقطنه العديد الأجانب ، و في مكان هاديء .
صعدت للدور الأول ، وقابلت الأستاذ "كامل" * صاحب الشقة ، و هو رجل في أواخر الأربعينات هاديء و يعيش في منزل بحالة رثة ، وحيدا ، بين أكوام من أتربة و ملابس مبعثرة.
أراني الشقة ، و التي رفضتها من أول وهلة لعيب ما ، و لكنه سألني أن أجلس و أن نشرب بعض الشاي ، قلت له أن لدي عملا ، لكنه أصر ، قلت لا مانع ، و جلسنا ، و تجاذبنا أطراف الحديث ، و بدأنا في التعارف ، و الكلام عن الزحام ، و الحكومة ، و الفساد ، و الشرطة ، و حال البلد و الناس ... و إذا بالرجل يبدأ في سرد أدق مشاكله لي ، و الحقيقة الرجل مر بمحنة نفسية مؤلمة ، أعرفها لأنني خبرتها من قبل ، و لكن الرجل ضاع في غياهب عقله تماما ، و ظل يحكي ، و يحكي ، و يسألني ، وأجيب ، و إذى بالرجل يبكي ...
ربتت على ركبته وهو جالس أمامي ، حكيت له عن نفسي ، عن أشياء مشابهة ، عن قصص من أصدقاء هدأت من روعه قليلا ، لكنه ظل يرتجف ، و يمسح عبرات تسيل ، حتى آخر اللقاء الذي تجاوز الساعة و النصف.
فتحت له شبابيك المنزل، تلك الشبابيك الخشبية التي تضاعفني طولا ، و أعلقت الأنوار الكهربية و سمحت للشمس بالدخول ، قال أنه يخاف من الناس و اللصوص ، قلت لا تقلق ( فكرت أنه لن يصيبه أسوأ مما حدث بالفعل!) ، و قلت له أننا في منتصف الظهيرة، كيف له ألا يعلم أن الشمس في كبد السماء؟ و لماذا يستعمل اضاءات النيون في نهار مشرق ، و لماذا ينام في الغرفة التي ماتت أمه فيها؟
سكت الرجل
شاركته نصف برتقالة من مطبخه
أكلها ، و أنا مضغتها و ابتلعتها فانني امقت البرتقال.
قلت كلام لا أعلم مدى صحته ، سألته أن ينهض ، و يبدأ من جديد ، و قلت أن الضربة التي لا تقتله تقويه ، و أظنني كاذب ، لأن الضربة التي لا تقتل ، غالبا ما تكسر.
بدا مسالما ، و متفقا ، اخبرته أن علي أن أذهب فلدي موعد في الشارع.
أوصلني للباب ، و رحلت.
وجدت رقمه على هاتفي ، طلبته ، سألني إن كان لا يزعجني أن يسأل عني بين الحين و الحين؟ قلت أنه شرف لي ، و يسعدني ذلك...
يا إلهي
الرجل ليس لديه أصدقاء
ليس لديه أحد
أتوقع أنه مقدم على أمر مهلك
أعلم ذلك لأنني خبرته يوما....
اليوم السابق لمقابلتي هذه ، قال لي صديق قديم أن "كل شيء يحدث لسبب ، و لا شيء يأتي هباءا ، و لا تستقل كوارث ما منطلقا من أنها أتت بأهون الوسائل ، و لكنها أسباب ، و علينا البحث فيها"
قلت في نفسي : ها أنا ذا ، كل شيء يحدث لسبب ، و الآن ربما أنا الصديق الوحيد لشخص على شفا الانهيار و لم أره في حياتي سوى مرة واحدة.
مرة أخرى...
ما هذا الذي يحدث؟
كيانين انسانيين فريدين ، في يومين متتاليين ... ( و لم أعدم القصص بعد) هل هي صدفة؟ أم أن المجتمع على حافة الهاوية على المستوى الإنساني و النفسي (قبل السياسي و الحزبي و الديني و الحجابي !) ؟
أعتقد أنها صدفة ..
و كله تمام..
أتساءل عن نفسي ، و عن الأناس الأقربين الذين أحببتهم أو أحبهم ، إلام سنؤول حينما نطرق باب الخمسين؟
و ربما الأربعين .....
أعتقد أن علينا المواظبة على تلقي الضربات ، فإن لم تقتلنا ، فربما ... ربما ... تقوينا! ـ
ـــــــــــــــــ
* قمت بتغيير أسماء الاشخاص حفاظا على خصوصيتهم ، و لم أذكر اسم الرواية لنفس السبب