٢٧‏/٠٥‏/٢٠٠٩

إغلاق


أن أصحو يوما ، بأعين نصف مغلقة، و قدح من شاي في يدي ، فاتحا حاسوبي العتيق، منتظرا ان تأتي صفحة بريدي الالكتروني - و هي عادة امارسها صباحا لاسباب عاطفية بحته و مرتبطة بأناس بعينهم - فما أن اضغط على زر جلب الرسائل الجديدة ، إلا و أن أجد رسالة تقول
"810003c1: We were unable to sign you in to the .NET Messenger Service"
فحينها سأعلم أن هذه الخدمة قد حجبت عن بلادي.
الحقيقة أن هذا لم يحدث بعد - في مصر على الأقل - لكنه أعلن رسميا في مسارات أخرى، تماما كما حذر المستخدمون و المبرمجون مرارا ، و لم يكترث الكثيرون.
فمنذ بضعة أيام، أعلنت شركة مايكروسوفت رسميا عن إغلاق خدمة MSN Live في خمسة بلدان ، هم: السودان ،إيران ، سوريا ، كوبا و كوريا الشمالية . وفقا للمتحدث الرسمي للشركة قال:

"ميكروسوفت قد توقفت عن مد خدمة مسنچر لتلك البلدان التي تتعرض لعقوبات من قبل الولايات المتحدة
هذه العقوبات يمكن الرجوع إليها من خلال مكتب إدارة العلاقات الخارجية"

بالنسبة لي هو أمر مبهر كيف تتكتم الشركة على فعل كهذا ، بل ولا تفيد في أي تقرير او اعلان لها حول الدوافع و الأسباب ، باستثناء إحالتنا لجهة تمدنا بمعلومات حول العقوبات التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد هذه الدول.
و حتي الآن تتضارب التقارير في الشبكة حول إن كانت الخدمة تحجب خدمة دردشة مسنچر فقط، أم انها تحجب البريد الالكتروني على هوتميل ،بما فيه من رسائل مخزنة. فتتضارب الآراء في هذا الصدد ، و لم استطع ايجاد تعليق من البلدان المعنية بعد.

الحقيقة إغلاق مسنچر ، ليس أمرا جللا ، و لكنه رمز لإلغاء وسيلة اساسية للتواصل بين هذه الدول و العالم، إمعانا في فرض عزلة اقتصادية ، و تتجاوزها لعزلة ثقافية و اجتماعية، و هو ما يقلقني في عالم لم يعد يعرف حدودا لاستخدامات الشبكة على الصعيدين المعرفي و الاجتماعي.
ظهرت مؤخرا حلولا لمستخدمي مسنچر في البلدان المحجوب عنها ، مثل استحدام خدمة ميبو مثلا، أو تغيير اسم و بلد المستخدم ، الذي أراه أمر مهين للغاية.
و هكذا يثبت أن الرهان على المواقع الضخمة التي تقدم خدمات مجانية مثل تلك ،أثبت خسارة فادحة ، و تحولت إلي وسائل ضغط ، و أدوات في معارك بغيضة تخوضها حكومات ما ليتحول المواطن/المستخدم لدمية بين رحي حكومته ، و شركات عملاقة تبذل جهودا اسطورية للامساك بزمام حياته، متحولة لوسيلة ضغط و قمع في يوم ما ، أو في حرب ما. أو على الأقل لعب دور الأخ الأكبر على مدار الساعة.

لذا تثبت مرة زخرى أهمية البرامج مفتوحة المصدر ، التي لا تتحكم بها شركات بعينها، بل يتحكم بها افراد- أو شركات أصغر - و لكن شراكتها ليست حكرا على أحد ، ولا يتحكم فيها أحد
تلك البرامج التي ستعطي المستخدم فرصة أكبر للامساك بزمام حياته سيبريا على الأقل ، فمثلا أنا لا اترك رسائلي معلقة في فراغ بريد چيميل ، و إنما افضل تحميلها اولا بأول على حاسوبي مستخدما ثندربيرد، و هو برنامج يتيح أكبر قدر من الخصوصية و التحكم و مفتوح المصدر. و بالتالي في اي وقت قد يترائى لجوجل انني أو بلدي أو ملتي غير مستحقين لخدماتهم ، ستظل مراسلاتي القديمة على حاسوبي الشخصي. و هكذا.
البرمجيات المفتوحة صنعت لضمان الحريات و التشاركية ، وهي تخضع لمباديء الحريات الأربع:

0- حرية تشغيل البرنامج لأي شخص و لأي هدف .
1- حرية معرفة كيف يعمل هذا البرنامج ، و القدرة على تعديله وفقا لحاجي اي فرد.
2- الحرية في توزيع و تبادل نسخ البرنامج ، و مساعدة الجار.
3- الحرية في اعادة تعديل و تطوير البرنامج ، و من ثم اصدار نسخة منه مغايرة لضمان استفادة المجتمع.

لا أدعي انني شخص تقني و الحقيقة لا أعرف عن الكود و البرمجيات على الاطلاق ، لكنني اعترف انني أجد خلاصا نسبيا من احتكار الشركات لحياتنا بهذا الشكل السافر. ربما في يوم ما تجد الحاسوب لا يفتح في بلدك ، لأن ميكروسوفت ويندوز اغلقت استخدام ويندوز. في المنطقة عند استشعاره بوصلة للانترنت من قبلها. أو ربما نجد برامج أخرى ممنوعة علينا . او تسرب معلومات حول سلوكنا كمستخدمين و ما نفعله على الشبكة.
هناك دوما برامج ذات مصدر مفتوح تعد بديلا رائعا لبرمجيات تنتجها ميكروسوفت و شبيهاتها ، و عادة هذه البرمجيات أكثر فعالية و خفة، و بالطبع هي مجانية و خالية من الاعلانات و الرساذل الالحاحية الغريبة التي ابتكرتها ميكروسوفت.
هناك موقعا للتعرف على أهم البرامج المفتوحة لنظام تشغيل ويندوز ، و نسخته لنظام تشغيل ماك.
أما مستخدمي لينكس فقد استوفو اجرهم ، و هم يعرفون تماما ما يفعلون.


رسالة الحجب كما تظهر في الامارات ، في السعودية لونها أخضر ، وفي قطر
تتغير الوانها حسب المزاج


طبعا تأتي هذه القصة اسبوعا من بعد إعلان حكما ما حول إلغاء الولوج للمواقع الجنسية في مصر، و كأننا فجأة عرفنا سر تأخر البلاد ، إنها صدور و مؤخرات النساء العارية التي تشكل أغلبية الشبكة.
و رغم أن هناك جهات حكومية و تكنوقراطية تعارض الحكم جملة و تفصيلا ، إلا أن الأمر جد مزعج ، ففتح باب الحجب في مصر لن ينتهي ، فنحن شعب ميال للحجب بطبعه. و محب له.
في العموم، أنا قد اتخذت قراري، في اليوم الذي احاول فيه الولوج لموقع جنسي وأجد رسالة سخيفة مثل تلك ، سأتوجه من غدي لسحب اوراق الهجرة. أنا اتحمل كل مساوئ هذا البلد ، إلا ما يتعلق بالجنس.
بالنسبة إلي هو خط أحمر.


خط أحمر!

٠١‏/٠٥‏/٢٠٠٩

غوغائية السلطة


هذان الحدثان مرتبطان في ذهني بشكل عنيف ، ليس فقط لأنهما حدثا لي نفس اليوم ، و لكن لأن كلاهما مثال واضح و غير قابل للجدل حول ما تردت إليه الأوضاع. الحدثان هما قرار ذبح الخنازير صباحا ، ثم إعلان جوائز المهرجان القومي للسينما مساءاً.
فالذي حدث أن استقت وسائل الاعلام المصرية الطريقة السافلة من الترهيب و التخويف التي تقتات منها وسائل الإعلام الأمريكية ، و سادت بفضل بضعة عناوين صحفية حالة من الذعر العشوائي بين العامة خوفا مما أسموه" حمي الخنازير" ، ذلك الفيروس المسمى H1N1 ، الذي لم تثبت اي حالة اصابة به في مصر حتي كتابة هذه السطور ، بل و لم تثبت اي حالة اصابة بين الخنازير في أي مكان في العالم ، بل و الأنكى ، أن هذا الوباء "القاتل" كان حتى هذا الصباح المشرق قد قتل حول العالم كله ما لم يتجاوز أصابع اليدين .. في عالم يقطنه المليارات. وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
بغض النظر عن كوني لا أكترث كثيرا لمسألة أن أموت بالانفلونزا ، أم بسرطان سريع ، أم لأي من الاسباب التي ذكرتها في المدونة قبلا ، إلا أنني أقدر طبعا خوف الناس على حياتهم ، و لكني لا أقدر سياسات التخويف و تغييب الشعوب. و الحقيقة أنني لا أحترم أبدا ما وجده الكثيرون فرصة لتدمير البنية الاقتصادية لآلاف العائلات القبطية ، علي اختلاف طبقاتهم.
ليس جديدا أن هناك نوع من الشماتة في الشارع المسلم تجاه فقدان الكثير من مسيحي البلد لمصدر رزق أساسي لهم، و قد سمعت عشرات التعليقات المتشفية خلال الأيام الماضية، ولا داع لذكرها هنا.
و أيضا.. هذه ليست الأزمة ، فهذا الاحتقان أضحى أمر واقع قد يتطلب أجيال لتغييره ، و لكن أزمتي هي رضوخ الحكومة لمطلب غوغائي مثل : ذبح كل خنازير البلد! فالحكومة بكل اساتذتها، و علمائها، ووزرائها لم تجد غضاضة في احداث خلل رهيب في منظومة اقتصادية و اجتماعية و بيئية في مقابل اسكات صياح نواب المجلس ، و لم يتطرق أحد إلي ان منظمة الصحة نفسها أعلنت انه : لا يوجد أي دليل علي انتقال العدوى من الخنزير للانسان ، و الحقيقة ان كل المصابين التقطوا العدوي عن طريق بشر مثلهم. و لم يكترث أحدا إلى ان يصبح القرار الحكومي مضحكة دولية ، بل و بسبب فعلة مصر ، قررت منظمة الصحة الدولية تغيير اسم المرض، حتي لا يحدث التباس مرة أخرى.
و بالنسبة للتعويضات - التي هي من اموالنا نحن دافعي الضرائب - فإنها فقط ستعطى كمقابل للحيوانات الي سيتم إعدامها (الصغار و العُشُر) و ليس التي سيتم ذبحها ، لانها مسؤولية المربي تصريف اللحوم و بيعها لحسابه ، في الوقت الذي شح فيه ثمنها ، و انعدمت الثلاجات نهائيا للتخزين. و بالتالي ضرب المربين/الزبالين في مقتل.
قال عمرو غربية ضاحكا على تويتر : " بفعالية مصر سوف تقوم ليس فقط
بقتل الخنازير ، بل و البشر أيضا ، اي شيء من أجل وقف انتشار الفيروس"
لا يحتاج الأمر لعالم في الاقتصاد ليدرك فداحة حجم الأزمة على الصعيد الاقتصادي ثم الاجتماعي والديني. فضلا عن البيئي، فقد انعدمت الآن وسيلة تصريف أغلب القمامة العضوية بالبلد.. و لكن الحكومة اثبتت مرة أخري أنها أكثر غوغائية من الشعب ، و قررت أن تتفرد بقرار لم تتخذه أي حكومة أخري في العالم ، بما فيهم الدول التي مات فيها مواطنين.

نشرت المصري اليوم صورة من المجلس
لأحد نواب الإخوان يرتدي كماكمة ، حفظه الله و ابعد عنه المرض



و بالتالي ، و بنظرة بسيطة ، نستنتج أن السلطة بكل مؤسساستها لا تختلف غوغائية عن بواب العمارة التي أقطنها، و هو بالكاد يستطيع القراءة، الذي قال منذ اول يوم للأزمة رافعا اصبعه : "لازمن يا بيه يدبحوا الخنازير استغفر الله العظيم، هي معروفة انها بتجيب أمراض."

ثم على صعيد آخر ، أعلنت نتائج المهرجان القومي للسينما ، و الملفت أن الجوائز هي المعادل الحقيقي لإيرادات شباك التذاكر ، و للعام التالي تتكرر هذه النتيجة ، فالأفلام الني حصدت الجوائز، هي الأفلام التي باعت أكبر كم من التذاكر و عرضت أغانيها و دعاياتها بشكل متواصل علي القنوات ، و يغيب عن الجوائز أي افلام ذات خصوصية او منحي مغاير عرضت خلال ٢٠٠٨.
و هنا تتبين الكارثة ، ففي العام الماضي كان أحمد السقا هو افضل ممثل في مصر ، و العام الحالي أحمد حلمي ، و ربما في العام القادم يأتي كريم عبد العزيز أو محمد هنيدي ، في مهرجان تنظمه وزارة الثقافة ، و يرعاه مستنيري مصر.

و هكذا يبدو التلاحم ما بين الشارع و السلطة ، فكلاهما يسيره نفس التيار ، و تحركه نفس المعايير.
و هكذا تتبدى لنا ، أنها حقا : نهاية الحضارة.


المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO