٢٩‏/٠٢‏/٢٠٠٨

القبض علي الصاروخ

لازلت - و أنا أظنني من النابهين ، و سريعي التعلم - لا أستطيع هضم فكرة التغير السريع و العشوائي و غير الموجه لكل ما حولي. تغير الناس ، و الاسماء ، و العلاقات و الأماكن ، أسماء الشوارع و اتجاهاتها ، قوائم الطعام بالمطاعم ، تغير العمل ، و تسويقه ، الفتيات ، و الأقرباء ، علاقاتنا الدولية ، موضات الأحذية بالمولات، اسعار التاكسي ، مواقع الانترنت السفلية ، توجهات الصحف.
لذا أحاول قدر الامكان الحفاظ على بضعة أشياء لا تتغير في حياتي ، كعاداتي و طقوسي اليومية ، وشكل هذه الصفحة السخيف ، البطيء التحميل.

و لكن كلما أجدني مفكرا فيما آل إليه الوضع ، أجدني أفكر في الناس الذين أراهم كل يوم ، فلولاهم ، لما أصبح البلد على حاله هذه ، الكثيرين يلومون الدولة التي لا تفعل ، و قلة يلومون المعارضة التي لا تفعل ، أنا لا ألوم أيا منهما ، و لكنني أتعجب أحوال الناس فعلا ، أستغرب كيف يفكر رجل الشارع العادي ، و كيف يتخذ قراراته من صغيرها لكبيرها.


ظل القمر على الأرض
خسوف كامل أظلم مساحة تجاوزت الـ ٢٠٠٠ كم
آخر صور محطة "مير" الفضائية

كنت يوما جالس على طاولة صغيرة اتحدث مع أحد آباء السينمائيين ، مخرج لن يتكرر كثيرا ، كنت متوترا يومها لأحداث ما ، و لمشادة دارت بيني و بين بعض الناس في الشارع.
قال لي بصوته الرخيم و ابتسامة: يا أحمد .. ما تتضايقش قوي كده ، الناس غلابة ، بجد مساكين.
قلت بحدة: مش مساكين ولا حاجة ، المسكين بيفكر انه يغير وضعة ، المسكين بيحلم يتحسن ، الناس فعلا مش بتفكر
و حكيت له قصة:
فقد كنت يوما راكبا ميكروباصا متحركا لمدينة نصر في يوم شتوي شديد البرودة ، و توقفت العربة في أول مكرم عبيد لالتقاط اسرة من أب و أم و ثلاثة أطفال ، كان الأطفال جالسين على رصيف الطريق بانتظار الميكروباص و قد بدى عليهم الإعياء و البرودة ، و أتى أخيراً منقذا إياهم .
ركب الجميع ، قام الاب بوضع طفل على حجره ، فرّقَ الباقين بالسيارة ، دفع نصف جنيه لكل منهم ، فكان حسابه جنيهان.
كنت أشعر بالسخط على كافة الأوضاع ، التي لا تكفل لاسرة وسيلة انتقال كريمة و لم تكفل حتى لمحطة انتظار خير من الرصيف في يوم قارص ، و لكنني شعرت بضيق أكبر من الاسرة باكملها ، عندما رأيت وجهتهم القريبة ، و أعلم أن ركوبهم للتاكسي لن يتعدى أبدا الجنيهين ، بلا مغبة الانتظار على الرصيف.
فقط هي اسرة لا تفكر.
نحن بلد انحرفت فيها توجهات و منطقية التفكير بشكل كبير ، و للدلالة ، سأسرد هذه الطرائف ، على امل أن نحصل على أقل استفادة من الوضع ، و هو الضحك .

-١-

صديق لي تشكيلي ، ينوي عمل مشروع فني مركب علي سور في أحد شوارع القاهرة ، جاب المدينة كثيرا حتى وجد بغيته في سور ناسبه في وسط المدينة ، سألني ان اذهب معه ليأخذ رأيي ، ذهبنا ، و اعجبنا المكان كثيرا.

قلت: انا شايف انه يصح انك تروح تشوف ده سور ايه ، و نستأذن المكان اننا نعمل المعرض.
قال: بس أنا باعرض في الشارع ، مش عندهم ، و معايا موافقات من الحي و الجهات المعنية.
قلت: تمام ، بس بردو دي مسألة ذوقية ، عشان شكلك ، و كمان عشان تأمن نفسك ان ما تحصلش مشاكل من طرفهم.

اقتنع صديقي ، و فتحركنا لباب المكان ، الذي عرفنا أنه سكن لراهبات ، كبير جدا و متعدد الطوابق ، طلبنا الدخول ، و قابلنا الاخت الراهبة ذات الاخلاق الدمثة و الابتسامة الرحبة.
شرحنا الأمر ، رحبت و قالت أنه لا مانع ، شكرناها و انصرفنا ،
و لكنها اوقفتنا قائلة:
- بس قبل ما تمشوا سيبولي نسخة من موافقة الحي ، و عايزة صور بطايقكو.

طوبى لزمن تطلب فيه الراهبة صورة البطاقة.

-٢-

في مشروع فني ، طلبنا مشاركين ، تقدم لنا عشرات الفتيات و الفتيان ، لكن في منصب معين - منصب اداري انتجي - تقدم شاب واحد فقط ، و هذا هو نص الحديث الدائر (باختصار غير مخل) .

نحن: انت متخرج من كام سنة يا عادل؟
عادل: من سنتين.
نحن: طب و ناوي فعلا تشتغل الشغلانة دي بقية حياتك؟
عادل: ممكن يعني ... هي صعبة الشغلانة دي؟
نحن: اي شغلانة ممكن تبقى صعبة او سهلة حسب مانت ما بتحبها.
عادل: اصلهم بيقولوا صعبة
نحن: طيب عادل .. انت كنت عاوز تشتغل ايه اصلا؟ كنت حابب تكون ايه؟
عادل: انا خريج مودرن اكاديمي.
انا: ايوه .. قصدي ..عاوز تعمل ايه يا عادل في حياتك ، بتحلم تكون ايه؟
عادل: يعني ، شغلانة كويسة ، بمرتب حلو.
انا: طب و انت في السنتين اللي فاتو دول... كنت بتعمل إيه في سبيل ده؟
عادل: ...
انا: كنت طيب قاعد في البيت بس؟ كنت بتعمل ايه؟
عادل: الصراحة أنا مقضيها "درجز" ، يعني ... عشان اعدي الوقت.
نحن: عادل .. انت عايز تشتغل؟
عادل: نفسي طبعا!

طوبى لزمن ، يقول فيه الشاب في لقاء عمل تقييمي ، أنه اهدر عامين في المخدرات.

-٣-

لظروف ما ، كنت ابحث عن قرية ميكروسكوبية علي فرع نيل رشيد ، و لم يساعدني جوجل كثيرا ، فقررت استخدام ويكيماپيا ، و هو مشروع مفتوح يسمح لعامة المستخدمين وضع أسماء الشوارع ، و الأماكن بأنفسهم ، و رغم نجاحي في العثور سريعا على شوارع و مقاه في أوروبا ، لم أعثر علي القرية المطلوبة ، لكني استمتعت باضافات المصريين المكتوبة علي أماكن معينة، و هذا فاصل منها:

- القاعده الجويه لقريه كفور بلشاى التى اسقطت صاروخ اسرائيلى ايام حرب اكتوبر تم القبض على الصاروخ 31617 اتش بي يوم السادس من اكتوبر

- منزل الحاج جلال بسيونى الجزار - اضيفت عن طريق ياسر جلال الجزار

- ال 15 (ملعب الكرة ومقلب الزبالة) مع تحيات د/ زكريا عطية فضل

- قرية طنوب - النجم محمد العريان - كل نساء العالم تنجب اطفال الا نساء طنوب تنجب ابطال

- قريه الخوالد : مسقط رأس الامام ابراهيم حمروش شيخ الازهر الاسبق :مع تحيات محمدشاهين :مدير محلات العلياء لخدمات المحمول والانترنت0107589087 :::: لااله الا الله محمد رسول الله::::

- مساكن المرور / يسكن فيها طلعت ابو نعمه واولاده وعادل ابو نعمه واولاده

- ارض ملك الاساز رمضان غنيم

طوبى لزمن يفضل المصريون فيه كتابة اسمائهم على موقع خدمي ، بدلا من ذكر مكان المسجد أو الكنيسة أو مركز الشرطة ، أو وحدة الاسعاف...

أو مهلا... هل لديهم في الأساس وحدة اسعاف؟

١٨‏/٠٢‏/٢٠٠٨

من اليوم..


أوسكار ، و السيدة الوردية
يعرض من اليوم لمدة ٦ أيام ، بمسرج الروابط ، الدخول مجاني
كنت قد كتبت عن النص سابقا

١٤‏/٠٢‏/٢٠٠٨

عن أحلام الاخرين

في مترو أنفاق القاهرة ، كان الفتى و الفتاة واقفان أمامي في حالة غرام شديد ، و لكن هذا لم يمنعهما من إعلاء صوتيهما ، حتى وصلني ما قالاه لمكاني بلا أية جهود.
كانت الفتاة تتحدث عن مسابقة في الفضائيات شاهدتها هي و والدتها بالامس ، و أن الإجابة كانت "أرسطو" ، و هما يعرفان الاجابة لأنها "عليهم السنة دي في سكشن د. رؤوف" كما قالا ، و استطردت في الحكي:
الفتاة: أمي قاتلي اتصلي قوليلهم بس انا ما اتصلتش.
الفتى: خسارة ... كان زمانك كسبانة عشر تالاف جنية
الفتاة: آه ... تخيل لو كنت كسبت الفلوس دي؟
الفتى: كنتي طب حتعملي ايه؟
الفتاة: ما أنا ماما سألتني بردو لو كنت كسبت كنت حاعمل ايه بمبلغ زي ده؟
الفتى:طب قوليلي تعملي بيه ايه؟
الفتاة: أول حاجة حاجيبلك عِدّة ، و حاجيب لنفسي عِدّة ، و أجيب لماما عِدّة ..
الفتى: و بقيت الفلوس؟
الفتاة: ما فكرتش بقى ، بس غالبا حاخليهم معايا على جنب ، يبقى عندي فلوس و خلاص..

أؤكد من مكاني أن كلا منهما كان يحمل عِدّة في يده .

أحد الحملات الدعائية لنوكيا ن-٩٥


-٢-

بعد ذلك بأيام ، كنا قد أحرزنا النصر المبين ، و حصلنا على كأس افريقيا ، و قضيت ليلتي في مصر الجديدة انتظر هدوء االشوارع لأقفل لبيتي ، و المدهش أنني فعلت نفس الأمر في الكأس السابق أيضا.
بغض النظر عن أوجه الخلل التي أصابتنا ، و الازدواجية ، و غياب أي معيار للقياس أو الرؤية - و كلها تظهر جلية في مظاهر احتفالات الشوارع هذه ، و التي لن أسردها لضيق صدري بها - فإن أزمتي أنني استيقظت في اليوم التالي على خبر في الجريدة ، يقول أن النواب دخلوا البرلمان ملفوفين في الأعلام ، و أنه قد أشاد عدد من النواب باللاعب محمد أبوتريكة وأخلاقياته، وطالب نائب الوطني رفعت البسيوني، بتدريس هدفه الذي صنعه محمد زيدان، لتلاميذ المدارس باعتباره دليلاً علي الوطنية.
و طالبوا باعتماد عدد من اللاعبين سفراء للنوايا الحسنة ، وأفاد أحدهم أن مبارك هو كابتن مصر الأول،


تذكرت الفتى و الفتاة في المترو ، فإن أصبح نوابنا اللذين انتخبناهم ، جمعتهم أهداف أبوتريكة ، و ارتدوا الأعلام لفوز فريق كرة ، فإنه لمِن المنطقي أن يتم اختزال أحلام الفتيات لعدة موبايل.

قد تسرق منا حريتنا ، منطقية وجودنا ، أمننا ، و لكن -عادة- يتبقى للناس القدرة على الحلم ، و الرغبة في تحسين ظروفهم ، و ظروف ذويهم ، و تغيير مآسيهم اليومية.
و ليس تغيير الِعدَد.

مبروك مصر

المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO