٢٣‏/٠٧‏/٢٠٠٦

عن مظاهرة الأربعاء... و رزقي على الله


رغم أنني كنت قد نزهت نفسي عن الوقائع الدموية في الشام..ليس سلبية و لا انهزامية... و إنما احباط في أغلبه... إلا أنني لم أستطع الاستمرار في الصمت و الكتابة عما أحب .. خصوصا مع ما أراه من ردود أفعال... و الحق بعضها أثار غضبي و إحباطي .. ربما أكثر من الحرب نفسها...

كما قال بيسو .. إن الخطاب الغالب تحول إلى خطاب عنصري .. من الطرفين .. كل يسعى لإبادة الآخر .. المسلمين من جهة و اليهود من جهة أخرى .. و كأن أصل القضية : الأرض و الحقوق و الواجبات التي على الطرفين أصبحت جزء هامشي....

و قد زاد الطين بللا .. دعوة أخونا في الإسلام علاء إلى تظاهرة عنوانها:

" تضامنا مع فلسطين ولبنان وضد الصهاينة والأستعمار والعملاء العرب

لا عذر لنا لو لم نذهب ولا خير فينا لو لم نحتشد

بعد 50 عاما من تأميم قناة السويس مازلنا نقف في وجه الاستعمار والصهيونية"

واضعا هذا البانر:



و لا بد أنه قد استشرى في المدونات كالنار في الهشيم... و لكن عن نفسي لم اسعد بالدعوة على الاطلاق لعدة أسباب .. و قد قررت أن أسطرها في مدونتى و ليس في مكان الدعوة ، احتراما مني لدعاية المظاهرة .. و حتى يكون رأيي هذا هو طرح لأفكار و تساؤلات ... و ليس هدما ، و لمجهود الآخرين ... المهم، استغربت الآتي:

١- أولا : طريقة الأحكام الجائرة و المستفزة تجاه الآخر المتمثلة في جملة "لا عذر لنا لو لم نذهب ولا خير فينا لو لم نحتشد" .. و كأن الكل لا بد أنه فريق واحد .. و الجميع يرى أن مظاهرة الاربعاء ستساعد في حل الأزمة ... و من له رأي آخر فـ" لا خير فيه "

٢- لم أفهم ما المطلوب من هذه المظاهرة ... ماذا ؟ "فتح باب الجهاد؟ طرد السفير؟؟" كانت هذه غالبية طلبات مظاهرة الأزهر ... فماذا عن هذه الوقفة؟ لي رأي في كل منهما:

أولا
: فتح باب الجهاد هو دعاية للحرب ... كثيرين ليسوا معها... خصوصا إذا كانت تجاه عدو سافل و لا خلق له ... و يفوقنا بأضعاف ما نملك من خبرات عسكرية .. و عتاد .. و دعاية .. و دعم دولي...


فاسرائيل أقوى الآن ...منذ قيامها و هي تكسب العالم في صفها .. نحن لم نفلح كعرب سوى في التقوقع.. و البعد عن الغرب قدر الإمكان .. سواء بتكفيره أو وصفه بالصليبي أو المنحل.. إلي آخره... نعادى أمريكا و الدانمارك و فرنسا و انجلترا.. و أي آخر يظهر عكس ما نحب ... و النتيجة الإمعان في العزلة.. جواز سفر المواطن العربي جميعنا نعلم ماذا يعني في أي مطار في العالم....ففقدنا الدعم السياسي أو الإنساني . ففي حالة أي معركة، دم العربي لن يساوي شيئا - كما نرى الآن-
و الصوت العالي لن يفيد أيضا.. كان صوتنا عالي في حرب العراق و أيام محمد الدرة... لا بد أن يكون لصوتنا قيمة.. و ليس حشدا فقط... لا بد من إعادة بناء اعتبارنا.. أوطاننا.. أنظمتنا .. أحزابنا.. قبل أن نستخدم أصواتنا...

كما جيوشنا ليست مؤهلة مثل الجيش الاسرائيلي...و الدليل أن الجيش المصري تتحول وحدات كاملة فيه إلى دور عرض سينمائي .. أليس بالأحرى أن نغير هذا أولا؟ و قرأت أن اسرائيل تستثمر في ١٤ قمر تجسس حول المنطقة!
و الحرب العصرية لم تعد جموع و بنادق.. بل أصبحت معلومات.. و تحديد أهداف .. و قصف بالطيران.. و دعاية مضادة ، بل و حتى هجوم على مواقع العدو السيبرية لشل قدرته هناك أيضا... هل نملك نحن كل هذا؟ و هل لدينا التنظيم الكافي ، و المال الاسطوري اللازم؟

و حتى إن كانت جيوشنا مؤهلة و كنت على خطأ .. كم روحا ستتطلب إهدارها من أجل إجلاء ٨ مليون مستعمر - مُعَسْكَرين-؟ ... أعتقد أن الكلام عن إجلائهم ده كان زمان .. الآن لا بد من إيجاد و سيلة للتعايش.. و أن يفهم بعضنا البعض.


ثم ..هل الحرب هي الحل؟ - لا أقول أن التظاهرة دعاية للحرب لكن الكلام جاب بعضه حول الجهاد الذي يطالب به الكثيرين - إن لبنان مثلا .. ستستلزمها عشر سنوات لإعادة بناء البلد من جديد ، لم تلبث أن بدأت في الوقوف على قدميها .. و ها هي تسقط من جديد... لا أعلم هل لم يفكر الأخوة أصحاب رايات الجهاد لماذا المنطقة منذ الأربعينات في حالة حرب؟؟!؟ بل و منذ بداية القرن أصلا ليس فقط بسبب اسرائيل ،عندك العراق و إيران ،الكويت، حرب لبنان ، الجزائر، الصومال،السودان!!... لست مع نظرية المؤامرة أبدا .. و لكن بالعقل: أطراف كثيرة تستفيد من " رجولة " العربي .. و عصبيته القومية لتجعله " أجيال و را أجيال" يمسك سلاحا .. و لا يبني وطنا أبدا .. و يعيش في ظل حكومات من العساكر لأنه دوما يخشى " لو حصلت حرب"... وواضح أن الحكومات الدينية الجديدة بنيت على نظرية الحرب و المعركة مع الصهاينة أيضا...

أما لو أخذنا تونس كمثال فهي - رغم سجلها الأسود في حقوق الانسان- قد نفضت يدها من قضايا متعلقة بالقومية أو العروبة - مرحليا - .. و تفرغت لبناء دولة و اقتصاد... و نجحت بشكل مذهل.. و الشعب سعيد .. بل الشعب يحب حكومته !!( أتكلم عن من عرفت من رجال و نساء عاديين ، و ليسوا ناشطين سياسيين) و قالت لي احداهن أنه لا حاجة للرئيس بن علي لأن يزوِّر الانتخابات ليُجَدّد له... لأن الشعب يريده... و هو أمر لا تسمعه في بلدان عربية كثيره...

البارحة ... تظاهر ألف اسرائيلي في تل أبيب من أجل (وقف الحرب) ، و هو عدد كبير بالنسبة لمظاهراتنا علما بأننا نفوقهم سكانا بعشرة أضعاف... أما مظاهرتنا ففحواها دعم المقاومة التي تساوي عندي دعم حرب طويلة، مدمرة سيخسر فيها العرب ما بنوه... و ليس لها مكاسب تذكر.. سوى الرجوع بالمنطقة لأجيال ولّت ، و في هذه المرحلة .. و هذه الظروف سيكون المكسب الأكبر لإسرائيل... التي قدتجتاح لبنان في أي لحظة بينما أكتب هذه السطور...و يصبح لديناإضافة إلى فلسطين المحتلة .لبنانن المحتلة... قضيتين بثمن واحدة.......
.
أعود و اسأل: هل الشعوب أهم ... أم القضية: أنا و أبي و أمي .. و أطفال لبنان أهم ؟ أم شرف العروبة...و صور الخوميني؟
أنا اخترت الطرف الأول و البعض من المدونين أيضا ... (حسنا ليس الكثير)!


ثانيا : طرد السفير ... الذي أعتقد أنه أكثر المطالب التي اسمعها بلادة و قلة حيلة.. و كأن طرد السفير يعني طرد اسرائيل و زوالها من الوجود... و كأن اسرائيل ستتأذى إذا فقدت ممثلها في مصر ... و ستعجز عن التصرف... إن لم يوجد سفير اسرائيلي في مصر ستظل الأوامر تأتينا من البيت الأبيض... و كلنا يعلم ذلك...
أنا رغم عدائي لكل ما هو اسرائيلي في هذا الكوكب... و لا كني لا أجد غضاضة في بقاء التمثيل الدبلوماسي... لأنه و سيلتنا الوحيدة لمعرفة العدو، لقد أغلقنا كل الأبواب، كم منا يعرف شيئا عن الحياة في اسرائيل؟ كم مصري شاهد فيلما اسرائيليا؟ أو شاهد عرضا مرسحيا؟؟؟ كيف سنواجه عدو لا نعلم عنه أي شيء ... معتمدين على نصر من الله و فتح قريب...!
ان التليفزيون الاسرائيلي يعرض أحدث الأفلام المصرية مرة في الاسبوع علي الأقل... بل و أحيانا مسلسلات، الاسرائيليون يأتون لمصر... كل اسرائيلي لديه فكرة مبدئية عن شكل و أحياء القاهرة و طبائع سكانها... نحن ماذا نعرف عن ناتانيا أو تل أبيب؟؟

السفير صلتنا الوحيدة بالآخر / العدو ... بدونه سنصبح كمن يعادي مخلوقات من الفضاء الخارجي .


٣- ( بعد 50 عاما من تأميم قناة السويس مازلنا نقف في وجه الاستعمار والصهيونية) ... ما علاقة التأميم بالصهيونية؟ أم أنه حشد قضايا و محاولة ربطها ببعض و خلاص؟

٤ - "أصحاب السعادة و الفخامة و السمو .. اتفو" ... ما هذا؟ أي أصحاب سعادة يقصد؟ لقد حارب اسرائيل كل من: صاحب الجلالة فاروق الأول ، و نقيضه جمال عبد الناصر... حاربهم مرتين.. و صاحب السعادة السادات انتصرنا في زمنه .. ووقعنا معاهدة.. و اجتياح ٨٢ بدأ و انتهى في عهد مبارك.. و معه تحربر سيناء ... فهل جميع أصحاب السعادة على اختلاف مشاربهم خذلوا واضع البانر؟ بينما أصحاب السماحة و الشياخة هم الأبطال؟؟؟ لا أظن ذلك.. و أعتقد أنه تعميم مجحف آخر .... إلا ان كان يعني المعاصرين فقط...و في هذه الحاله هل يستحقون البصق لأنهم أمنوا شعوبهم و بلادهم من الانجراف في الحرب التي لم يخطط لها سوى سماحة حسن نصر الله...؟ لا أظن ذلك...

٥- إيه موضوع المجد للمقاومة دة؟؟ هل حزب الله مقاومة؟ هل كان قد تم الاعتداء على شبر من لبنان؟ هل اسرائيل تستعمر فيها أي جزء؟ لا... إن حماس حركة مقاومة.. و غيرها الكثير الذين يعيشون تحت القصف اليومي.. بلا دعم يذكر.. و لا يحتاجون لإيران أو سوريا ليبقوا .. و لا أفعال عنترية ليثبتوا وجودهم ... بل هم مستمرون لإيمانهم بقضية..و بدعم الشعب لهم...

أما حزب الله فحدث و لا حرج:
هو الحزب الوحيد الذي لم تسر عليه اتفاقية الطائف المتعلقة بتسليم الميليشيات للسلاح
الحزب " يستعمر" جنوب لبنان .. و لا حيلة للحكومة هناك....
الحزب ليس لبنانيا صرفا .. و إنما أقيم بناء على أوامر من مدينة تسمى طهران - و هي ليست لبنانية بالمناسبة - و هو يحمل مباديء دينية شيعية لا تمثل سوى أقل من الربع..
الحزب على خلاف مع العديد من الأحزاب الوطنيه هناك و دوما ما يكون سلاح حزب الله من المواضيع الشائكة في اجتماعات الحكومة و الأحزاب...


لم أكتب ما كتبت معاداة لكل من ينادون بالتظاهر.. و نصرة الـ"مقاومة" و لكن لم استطع أن أخفي شعوري الطاغي بعبثية هذا الموقف... و أن الفصائل السياسية التي هي في أي بلد محترم تقوم بتوعية الشعب .. و إعادة بناء ما أتلفته الحكومة في عقله لسنوات .. أجد الفصائل الوطنية لدينا تنهج نهجا غاية في الغرابة.. و هو أن يقدموا لرجل الشارع ما يريد بأي ثمن.. تسولا لمشاركته.. و لمكان لهم بين الجماهير...، فتجد مثلا قضايا هامة أخرى على الساحة .. لم و لن تلتفت لها القوى الوطنية .. و هي أكثر تأثيرا في حياة المصريين... على اعتبار أن هذا موضوع ما يهمش الناس... المفتاح هو البحث عما "يهيج " الناس .. و المشاركة فيه.. فإذا ثار الشعب على روبي و قرر منعها من الغناء .. أعتقد أن حركات عدة ستتبنى القضية.. و ملعون أبو تذاكر المترو و الأغنياء أصحاب السيارات
...


للأسف هذه هي المرة الأولى التي لن أتبنى فيها أي من بنرات علاء....
و سأضع بدلا منه أي من الآتين:





http://img82.imageshack.us/img82/4009/airplanescj4.jpg











http://img82.imageshack.us/img82/700/victorgd6.jpg


http://img214.imageshack.us/img214/8979/finallh9.jpg


و قبل أن آتهم بالانهزامية أو العمالة .. أوضح أنني لم و لن أكون من القابلين لفكرة الوجود الصهيوني في المنطقة - نظريا - وأنني أحترم أي مقاومة للاستعمار أو الامبريالية .. أو أي من القوى التي تفرض إرادتها و أفكارها علي الشعوب... و لكن المقاومة لها أسس و أصول.. و لها حساباتها.. و لديها حس أدنى من تقدير الخسائر و المكاسب... و لا تقامر بأرواح لا أفرادها.. و لا المواطنين الآمنين الذين بذلوا سنوات من عمرهم الماضي في حرب ضروس ما لبثوا أن كانوا قد استراحوا... و لكن المقاومة استكثرت ذلك عليهم
...
بس.. سلمت سلاحى...

١٧‏/٠٧‏/٢٠٠٦

أساطير المساجد

بما أن الوضع من حولي يزداد تعقيدا ... و الأحداث الجارية تسير من سيء إلى أسوأ... وفي سرعات مكوكية ... و حيث أن ما أقول أو أكتب يغلب عليه الإحباط تارة ، و القرف و الضيق تارة أخرى ، فقد قررت أن أنحي كل هذا جانبا .. و سأكتب عن أشياء في حياتي أحبها .. لعلى أجد بعض السلوى .. و ربما عوضا عن أعزائي الأصدقاء الذين قد لا تشغل بالهم هذه الموضوعات بالقدر الكافي...و بالتالي لا تتحقق لي متعة الحكي ... فسأكتب ها هنا عن بعض ما أحب في هذه الأرض...

أبدأ اليوم بالمساجد القاهرية .. و هي شغف دائم لي ... و لن أكتب عن التازيخ و البناء و الأعيان .. و لكني سأكتب عن الحواديت.. قصص دوما ما داعبت خيالي.. أو أساطير.. أو نمائم ... و ارتبطت بأماكن أحببتها فيما يسمى بالوطن .. فأرى ظلال المآذن المتهالكة ... و خصوصا بينما أسير ليلا... و أتساءل عن من عَمر هذه الأراضي و من بنى تلك القباب......


سأكتب عن أساطير بعض المساجد على حد ما قرأت .. و أرجو من المتخصصين عذري عن أي زلات أوأ خطاء..


.......................
مسجد بن طولون ، هو أكثر مساجد مصر قربا إلي .... و هو الأثر الوحيد الباقي مما اختطه احمد ابن طولون فيما عرف بمنطقة العسكر ... و يقول الشيخ المقريزي له الرحمه:

" ولم يبق الآن من العسكر ما هو عامر سوى جبل يشكر الذي عليه جامع ابن طولون، وما حوله من الكبش، وحدرة ابن قميحة إلى خط السبع سقايات ...... وطالما سلكت هذا الفضاء الذي بين جامع ابن طولون، وكوم الجارح، حيث كان العسكر، وتذكرت ما كان هنالك من الدور الجليلة والمنازل العظيمة، والمساجد والأسواق والحمامات والبساتين والبركة البديعة، والمارستان العجيب، وكيف بادت حتى لم يبق لشيء منها أثر البتة فأنشدت أقول:
وبادوا فلا مخبر عـنـهـم وماتوا جميعاً وهذا الخبـر
فمن كان ذا عبرة فلـيكـن فطيناً ففي من مضى معتبر
وكان لهـم أثـر صـالـح فأين هـم ثـم أين الأثـر "

عاطفية زائدة بالنسبة لرجل مؤرخ .. لكنه أصاب لب الموضوع ... فالمدينة كلها من حول الجامع قد خربت .. و لم يبق منها أثر... و لذلك قصة أيضا يرويها السيوطي في كتاب " حسن المحاضرة في أخبار مصر القاهرة" :
"ولما تم بناء الجامع رأى ابن طولون في منامه كأن الله تجلى للقصور التي حول الجامع، ولم يتجل للجامع، فسأل المعبرين، فقالوا: يخرب ما حوله، ويبقى الجامع قائما وحده. قال: ومن أين لكم هذا؟ قالوا: من قوله تعالى: (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً). وقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا تجلى الله لشيء خضع له"، فكان كما قالوا."

و تحقق حلم بن طولون .. و عاش الجامع بينما فُنِيَ كل ما حوله ... و الغريب أن هناك قصة أخرى عن الأحلام ارتبطت بالجامع ذاته مروية عند السيوطي أيضا إذ قال:
"".. فصلى الناس فيه، وسألوه أن يوسع قبلته، فذكر أن المهندسين اختلفوا في تحرير قبلته، فرأى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: يا أحمد، ابن قبلة هذا الجامع على هذا الموضع؛ وخط له في الأرض صورة ما يعمل. فلما كان الفجر مضى مسرعا إلى ذلك الموضع؛ فوجد صورة القبلة في الأرض مصورة، فبنى المحراب عليها، ولا يسعه أن يوسع فيه لأجل ذلك، فعظم شأن الجامع....."

و لا تعليق لدي ... و هناك قول منتشر في أغلب كتب التاريخ أن الموضع هذا كان موسى قد ناجى فيه ربه... و قد بنى أحمد الجامع في هذا المكان نفسه... و المكان كان قد اشتهر بين العامة أنه مستجاب الدعاء .. و أرى أنا فيه سلام نفسي كبير...

و أُحِب قصة تعامل المصريين مع الجامع الجديد حين بناه حاكمهم :
" ...وقيل: إنه قال: أريد أن ابني بناء إن احترقت مصر بقى، وإن غرقت بقى، فقيل: تبنى بالجير والرماد والآجر الأحمر، ولا تجعل فيه أساطين خام، فإنه لا صبر له في النار؛ فبنى هذا البناء، فلما كمل بناؤه أمر بأن يعمل في دائرة منطقه عنبر معجون ليفوح ريحه على المصلين، وأشعر الناس بالصلاة فيه، فلم يجتمع فيه أحد، وظنوا انه بناه من مال حرام، فخطب فيه، وحلف أنه ما بنى هذا المسجد بشيء من ماله، وإنما بناه بكنز ظفر به، وإن العشار الذي نصبه على منارته وجده في الكنز..."

و قصة الكنز أنه كان مرة راكبا فرسه في إحدى المناطق .. فغاصت ساقي الفرس في الأرض كاشفة عن كنز كبير بلغ مئات الآلاف -و الكنز في أغلب الكتب هو معنى لخبيئة أثرية من زمن سابق ، في الغالب فرعونية! - و بهذا الكنز بنى مدرسته و جامعه و قصره و بيمارستانه.... و لكن يبدوا أن مصريوا زمان كان لديهم شئ من الضمير .. فأبوا أن يصلوا في جامع لا يعرفون من أي مال أقيم.
و عن أعمدة الجامع التي لبعضها شكل روماني (في تقديري).... فقد ظننت لزمن طويل أظن أنها قد اقتطعت من بعض الكنائس كما جرت العادة بالنسبه لبعض السلاطين.. و لكني سعدت حينما قرأت نفي بن طولون نفسه لذلك :
".... وأما العمد فإني بنيت هذا الجامع من مال حلال وهو الكنز، وما كنت لأشوبه بغيره، وهذه العمد إما أن تكون من مسجد أو كنيسة، فنزهته عنهما...."

فثبت أنه كان نزيها و لم يغتصب أعمدة أي جامع أو كنيسة ... و لكن يبدو فقط أنه استباح بعض الآثار اليونانية/ الرومانية...!




أعمدة جامع بن طولون
Bechard, ca. 1870.

و سبب استمرار الجامع رغم خراب كل ما حوله ، و هي القصة التي تفضلت وزارة الثقافة بتثبيتها عند مدخل الجامع دون غيرها .. وهي قصة الأمير لاجين ... و قد كان أحد المماليك الذين قاموا بقتل الملك الأشرف خليل بن قلاون ، و من ثم أخذ مماليك الأشرف في طي البلاد بحثا عنه ليثأروا ... فما كان من لاجين إلا ان احتمى في منارة هذا المسجد الذي كان قد هجرته الناس... و تدور الأيام و يتولى لاجين عرش مصر .. و يسمى بالناصر ... فيوفى بنذره ... و يعيد إعمار الجامع بعد خرابه بأكثر من ٤٠٠ عام ، و بعدما كان يستخدم مربطا لإبل المارة من الحجاج! فنذر له المال و الأوقاف و بلّطه ، و بنى ميضأة، و جعل فيه كتاب لتعليم الأطفال و زرع حوله البساتين .. و أزال الخراب من حوله متكلفا مالا جما .. فقط إيفاءا لعهده مع نفسه.

و قد تآمر على هذا السلطان المماليك كعادة هذا الزمان ... و عن نهايته يروي السيوطي:
"...فتوحشت القلوب منه وتالأت على بغضه ومشى القوم بعضهم إلى بعض وكاتبوا إخوانهم من أهل البلاد حتى تم لهم ما يريدون فواعد جماعة منهم إخوانهم على قتل السلطان لاجين ونائبه منكوتمر فما إلا أن صلى السلطان العشاء من ليلة الجمعة العاشر من شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة وإذا بالأمير كرجي وكان ممن هو قائم بين يديه تقدم ليصلح الشمعة فضربه بسيف قد أخفاه معه أطار به زنده وأنقض عليه البقية ممن واعدوهم بالسيوف والخناجر فقطعوه قطعاً وهو يقول الله ".


جامع بن طولون
Bechard, ca. 1870.


............................................................................


قرأت بالصدفة قصة كنت سمعتها قديما عن الجامع الأزهر:

أن بهذا الجامع طلسم!!! و الطلسم - لمن لا يعلم - هو رسم أو نقش سحري ما ، يرسم من أجل تحقيق نية ما.. أو لسبب يبغيه صاحب الطلسم، و طلسم الجامع الأزهر وفقا للمقريزي قد وضع لسبب غريب :
"يقال أن بهذا الجامع طلسماً، فلا يسكنه عصفور، ولا يفرخ به، وكذا سائر الطيور من الحمام واليمام وغيره، وهو صورة ثلاثة طيور منقوشة، كل صورة على رأس عمود، فمنها صورتان في مقدم الجامع بالرواق الخامس، منهما صورة في الجهة الغربية في العمود، وصورة في أحد العمودين اللذين على يسار من استقبل سدة المؤذنين، والصورة الأخرى في الصحن في الأعمدة القبلية مما يلي الشرقية"

و الحق أنني لم أهتدي أبدا لمكان الصور المذكورة أثناء تجوالي بالجامع .. و لكني أعرف أنه قد اعترته تجديدات عديدة .. و ربما زالت هذه الطلاسم... و لكني متأكد من شيئين ، أولا أنني لم ألاحظ أي أعشاش للحمام الكثير في صحن الجامع ، و أن الفاطميين كانوا شديدوا الهوس بالسحر و الطلاسم - شأن العديدمن مغاربة اليوم أيضاً!- .
و يروي المقريزي قصة غريبة و هي أن السلطان الأشهر الظاهر بيبرس أراد يوما أن يهدم أحد الأبواب الفاطميه ، و كان يسمى باب البحر، و عند هدمه و جد فيه صندوق به طلاسم و أشكال من نحاس ، و كتابة بالخط القبطي! و يروي بالتفاصيل محتوى الصندوق .. ثم يروي عما بقي ظاهرا من هذه الكتابات:
"..وهذا نص ما فيه، وأخلَيْتُ مكان كتابته التي تكشطت، وأما الوجه الأبيض: فهو مكتوب بقلم الصحيفة القبطي، والمكتوب في الوجه الأحمر على هذه الصورة: السطر الأول بقي منه مكتوباً الإسكندر.... ، السطر الثاني: الأرض وهبها له، السطر الثالث.... السطر الثاني عشر: سد أيضاً كل آثار أسدية بيبرس...... ، السطر الثالث عشر: بيبرس ملك الزمان والحكمة كلمة الله عز وجل، هذا صورة ما وجد في اللوح مما بقي من الكتابة والبقية قد تكشط.
..... ولعل معنى كتابة بيبرس في هذا اللوح إشارة إلى أن هدم هذا الباب يكون على زمان بيبرس، فإن القوم كانت لهم معارف كثيرة، وعنايتهم بهذا الفن وافرة كبيرة، والله أعلم، وموضع باب البحر هذا اليوم يعرف: بباب قصر بشتاك، قبالة المدرسة الكاملية."

يبدوا أن واضع هذا الطلسم كان يعلم أن من يقوم بهدمه بعد مئات السنين سيكون الظاهر بيبرس ... و لا تعليق.


الطلبة الأزهريون بالجامع
١٨٩٠
- مصور مجهول
............................

مسجد محمد بك أبو الدهب هو تقريبا آخر مساجد العصر المملوكي على حد علمي - و يتعجب الكثيرين من شكل منارته الغريب .. التي ترفع في أعلاها ما يشبه الأزيار أو الزلع.... و هو شكل نادر بالنسبه لمنارات هذا العصر ... و له قصة ( القصة هنا شعبية ... سمعتها من جدتي رحمها الله .. و ليس لها أصل في كتب التاريخ) ... القصة أن هذه المأذنة مرصودة .. أي أن عليها سحر أو عمل .. و أن الأزيار بأعلاها مليئة بالذهب ( لاحظ اسم صاحب الجامع) و لكن مشكلة الذهب هذا أنه منذور ألا ّيأخذه أي شخص إِلا ّإن كان اسمه "محمد" ( لاحظ اسم صاحب الجامع!) ، و أن يكون اسم أبيه "محمد" و جده أيضا حتى سابع جد!
هذا الشخص فقط هو من سيسمح له الثعبان الضخم الذي يحرس الجرار من أن يحصل على الكنز...
و تروي لي كيف كان العديد من الناس يحاولون سرقة الذهب لكنهم يقضون حتفهم .. و كيف أن هناك شخص يحمل اسم محمد حتى رابع جد... و هو مصر على استكمال الطريق ليحصل أحفاده على الذهب.
قد تبدو قصة طفولية .. أو حدوته لتسلية الحفيد .. و لكن يبقى السؤال : لماذا توجد أزيار بأعلى المئذنة؟!

اعتقد أن الكثير من الأماكن ارتبطت لدى السكان المحليين بقصص و أساطير شعبية لم تذكرها كتب المؤرخين الكبار ... و لا أعلم إن كان الباحثين قد عنوا بجمعها و أرشفتها أم لا...




منارات الأزهر المنتمية لدول مختلفة ، و تبدو
قبة و منارة جامع أبو الدهب
Zangaki, ca. 1865


إن زيارة جامع ما بعد التعرف على قصصه .. أشبه بمقابلة رجل عجوز و أنت تعرف ماضيه.. أما إن كنت لا تعرف .. فستجده واقفا بجوارك في الأوتوبيس .. أو قد تمر من أمامه في المحل دون أن تلحظه.. أما إن عرفت كيف كان.. فإن الزيارة لها طعم مختلف تماما عن أي زيارة أخرى للمشاهدة أو التقاط الصور ... حقا تدب الحياة في الجدران .. و أكاد أرى أسلافنا هنا .. بفنهم .. ، جهلهم .. و تسلطهم .. وورعهم...

و أتذكر كلمات حداد:
" ... فكم بت الليالي و عيني ساهرة
تجوب الأرض و السماء
فتنادت في مهجتي الأسماء
و طرقت بالي خيالات القرون الغابرة ..." ـ









١٠‏/٠٧‏/٢٠٠٦

عن القسوة ....و الإعدام


لا أعلم ما الذي يحدث من حولي في القاهرة
أتعجب من سلوك الناس بشدة.... لا أدري من أين كل هذه القسوة .... لا أعلم من أين أتي كل هذا الكره....
أصبح من المعتاد أن تجد من يقود سيارته عكس الإتجاه .. و كأنه حق مشروع ... أحدهم أخرج لي إصبعا وسطا حينما قلت "" على فكرة .. كده عكس"....


سمعت من صديقة ألمانية أن الناس في مصر لهم " سلوك المول" .... و سيتي ستارز هو القالب الرسمي للسلوك هنا .. و قالت عن المصريين في المول أن
people are checking each others out!
و بالفعل كل واحد ينظر للآخرين ليحكم عليهم أو يقيمّهم.... ، بالأمس عند أحد المولات ... رأيت بعض الفتيات مع أصحابهن ... كن جذابات حقا .... صاح من بعيد أحد أصدقائهن مناد عليهن .. نظر شباب المول الآخرين الى الموقف، قال أحدهم : ده تلاقيه المعرس بتاعهم!
لا أدرى لماذا بَنَى هذا الحكم ، و لا لماذا عبر عنه ... و الأهم .... لماذا لم يحدث له من قبل أن خرج مع بعض الفتيات ... لأنه إن كان قد مر بذلك ، بالتأكيد لن يكون هذا هو رد فعله..
.

في نفس اليوم .. فرغ بنزين سيارتي ... سرت حتى البنزينة ... وجدت رجال البنزينه - نصفهم ملتحين - جالسين ...
قلت: ممكن جركن بس أملأ فيه بنزين للعربية؟
قال الماتحي: لا و الله ما فيش جراكن..!
قلت : بقى بنزينه طويلة عريضة مافيهاش جركن واحد
قال: لا و الله
قلت : ماهو فيه واحد مرمي جنبك أهوه...
قال: مليان يا بيه
قلت : ده مرمي يا شيخ و فاضي

قال : أصلو مش بتاعنا

هنا ثرت .. و شرعت في خطبة عصماء قلت فيها: " يا شيخ واحد جايلك في زنقة .. و بإيدك تساعده ... ليه بتعمل كدة؟ ... تحب لو كنت في مكان و فلوسك خلصت ، ولا ّمراتك ،و لا ّابنك .... تحب يقابلوا واحد زيك؟"
سكت الرجل
قلت " ربنا يكرمك" ... و تركته


رئيت خجلا ما في وجوههم ، و لكني كنت قد كرهت أي مساعدة من طرفهم ...
و سألت نفسي ... هل أصبح المصريين هكذا ؟ مصطلحات الرجولة ، و الجدعنة، و الشرف ... هل انحسرت في الدفاع عن رسول الله - رحمه الله - أو في المسائل المتعلقة بنساء الأسرة و ملابسهن؟
هل صلّى هذا "الشيخ" صلاة العشاء؟ كنت أسأل نفسي...





الحلاق الكلاسيكي الذي اعتدت الذهاب إليه ... حكى لي بفخر كيف عرف أن أحد شباب المنطقة هو الذي سرق الكاسيت من محل الدمياطي ... و كيف انقض عليه في منزله - و عثر علي المسروقات -و جرَّه بالعافية إلي بيت الدمياطي ، و نزعوا عنه كافة ملابسه ، و قيدوه، و استمروا في التلذذ بتعذيبه و التحرش به طوال الليل قبل تسليمه للشرطة التي شكرتهم ..... لماذا؟ لا أعلم....
الحلاق شاب مقتدر جدا ... لديه أحدث سيارة ، إمام الشارع،و محله طويل عريض .... ليس بالمواطن المقهور و لا الشاب الغير متحقق ... فمن أين أتى كل هذا الغضب ... ؟

.......................................
قصة من الكوميديا السوداء ... أن تنظيما سريا نُفِّذ في بعض من أعضائه حكم الإعدام في عهد عبد الناصر ... بتهمة قلب نظام الحكم ... علما بأن التنظيم كان يعمل على قلب نظام حكم الملك فاروق !!! و لكن إجراءات المحاكمة قد تمت في عهد عبد الناصر .. بدون تغيير!

و كنت قد زرت مع صديقة لي مؤتمراً أقيم من أجل إلغاء عقوبة الإعدام في مصر .... استنادا إلى عدة حقائق:
١- لا يحق لأي إنسان إزهاق حياة انسان آخر
٢- في البلدان التي يَرْعى فيها الفساد ، لا يمكن إنهاء حياة انسان بناء على تحقيقات أو أحكام من أشخاص لا يمكن البت في نزاهتهم ، و اتحدث عن تلفيقات الشرطة على الأخص
٣- المفتى لم يحدث أن اعترض على أي حكم مطلقا!
٤- الكثير من متلقي العقوبة يدرجون تحت مسمى - سجناء الرأي - ، و لكنهم يتهمون بتهم كالتآمر ، و قلب النظام
٥- و هو الأهم - تنفيذ العقوبة يتم بعد سنوات من النطق بها ، و يعيش المحكوم عليه هذه السنوات ينتظر الموت في كل صباح - يتم التنفيذ مع الفجر - لذا لا يستطيع النوم قبل الشروق ، لأنه يكون قد اطمأن إلى أنه كسب يوما جديدا ليحياه.
٦- يحدث كثيرا أن تثبت براءة أشخاص بعد سنوات من الحكم عليهم ، -و همّا بقى و حظهم - إن كانوا أحياء ... أم تم التنفيذ!
٧- هناك أكثر من بديل لعقوبة الإعدام دون المساس بحقوق المجتمع أو المجني عليهم


المهم.... أسوق هذا كله لأحكي انطباعاتي عن بعض الحضور في مؤتمر مناهضة الإعدام

١- الغالبية ترفض تماما الإلغاء ، و معاني كالانتقام و القصاص ... سادت مداخلات الكثير من الحضور
٢- جميع من دعموا استمرار العقوبة ... تحدثوا عن " الاغتصاب" و لا أدري لماذا الاغتصاب بالذات!!!
٣-قال أحدهم " ده المغتصب ده ... مش بس نعدمه ... ده احنا نقطع جسده ... و نخرج كبده ... و كلاويه .. و الحالبين " ( الكلام بالنص الحرفي)
٤-طالب أحدهم بدعم العقوبة ، بل و بثها على التليفزيون
٥- غالبية المشايخ و الإسلاميين ، كانوا ضد العقوبة... أو مع تقليلها
٦- حصل مصري علي حكم الإعدام بتهمة " تهريب الآثار"..... العام الماضي ... و المفتي وافق كالعادة!

و اقتنعت أن هناك من يشعر بالراحة و ينام هانئا ... ٌذا علم أن الحكومة تعدم الأشرار ... و تعذب الأوغاد و تربِّي الأنذال!

و لا زلت أتعجب لماذا كل هذا السواد و البغضاء و القسوة ..... لماذا العنف هو السائد ...و القسوة نظام ... و الا إنسانية هي وسيلة للتعايش.
هل بسبب قسوة المدينه؟
قسوة الحكومة؟
قسوة المواصلات و الدراسة؟
قسوة الفتيات الساخنات على ميلودي تي في؟
قسوة محلات الأطعمة؟ جامعات الصفوة؟
هل هذا هو أكثر العصور قسوة علينا؟

هل هو أكثر سوداوية من عصور الحروب و الاحتلال و الثورات؟

لا أعلم....

و أعتذر عن مزاجي المتردي ... و مزاج المدينة.......

المدونة و التدوينات ، بلا حقوق فكرية ، باستثناء الأعمال الفنية و الموسيقات فهي ملكية خاصة لأصحابها.

  ©o7od!. Template by Dicas Blogger.

TOPO